يرجع إلى القرعة للتحير والجهل بالحكم الواقعي والظاهري. وهكذا إذا أوصى بمال أو وقف لعمل ، وتردد بين أمرين ، فانه ليس في البين أصل يعين ذلك ، فيصدق عليه عنوان المشكل والمشتبه ، ويعين بالقرعة.
وبما ذكرناه ظهر ان ما ادعى من ورود مخصصات كثيرة على دليل القرعة ، بحيث لا يمكن العمل بها إلّا في موارد الانجبار بالعمل ، فاسد ، بل أكثر موارد عدم جريانها من جهة عدم تحقق موضوعها ، وهو عنوان المشتبه والمشكل ، فليس وجه تقدم الاستصحاب عليها ذلك كما توهم ، بل ما بيناه.
وبالجملة لا ريب في العمل بالقرعة في كل مورد ورد النص بها بالخصوص ، سواء كان هناك أصل عملي يوافقها ، أو لم يكن. وأما في غير الموارد المنصوصة التي يرجع فيه إلى القرعة بمقتضى عمومات الأدلة ، فلا بد وان لا يكون موردا لشيء من الأصول العملية من الاستصحاب والبراءة والاحتياط. وأما التخيير فقد أرجعناه إلى البراءة عن التقيد بكل من الخصوصيّتين ، بأن لا يكون الشك في التكليف ، فانه ان كان مسبوقا بالحالة السابقة كان موردا للاستصحاب ، وإلّا كان موردا للبراءة. ولا يكون الشك في المكلف به الّذي هو مورد للاشتغال ، ولا من قبيل دوران الأمر بين المحذورين. وذلك لعدم تحقق موضوعها ، وهو المشتبه والمجهول والمشكل إلّا بذلك. فينحصر موردها بموارد الترافع ، كما إذا كان مال تحت يد شخص ، وادعاه شخصان آخران ، واعترف من بيده المال بعدم كونه له ، ولكنه لا يدري لأي منهما هو ، فانه لا يعرف مالكه حينئذ لا واقعا ولا ظاهرا ، فيعين بالقرعة. وما إذا تردد أمر المال الموصى به أو الوقف بين مصرفين ، فانه ليس هناك أصل يعين به ذلك ، فيصدق عليه المشكل والمشتبه ، ويرجع فيه إلى القرعة.
فظهر بما ذكرنا سر تقدم الاستصحاب ، وكذا بقية الأصول العملية على القرعة.