فانه يدل على لزوم قبول قول المتفقهين المنذرين ، وإلّا لم يكن للأمر بالتفقه والإنذار مجال أصلا. والإنذار يعم ما إذا كان بنقل الفتوى وما استفاده من كلام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام وإطلاق (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) يعم ما إذا حصل الاطمئنان وما لم يحصل.
وبالجملة فجواز التقليد مما لا إشكال فيه ، أولا : لقيام سيرة العقلاء على رجوع العالم إلى الجاهل ، الممضاة شرعا قطعا للسيرة المتشرعة. وثانيا : للروايات. وثالثا : للآيات.
وربما يتوهم ورود المنع من التقليد لقوله تعالى ذما للكفار (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ)(١) فذمهم على تقليدهم آبائهم.
وفيه : أولا : انه مورد الآية هو رجوع الجاهل إلى الجاهل ، وهو خارج عن محل الكلام.
وثانيا : موردها أصول الدين ، ولا يجوز فيها التقليد ، لتمكن كل مكلف فيها من الاستنباط ، بداهة ان المخلوق لا بد له من خالق ، والمخلوق بلا خالق كالزرع بلا زارع. وهذا بخلاف الاجتهاد في الفروع ، فانه أمر صعب لا يتمكن منه إلّا الأوحدي من الناس ، فلا ربط للآية بما نحن فيه.
ثم جواز التقليد هو الجواز بالمعنى الأخص أعني الوجوب فهو من الأمور التي إذا جاز وجب ، وذلك لأن كل مكلف يعلم إجمالا بتوجه تكاليف إليه ولا بد له من الخروج عن عهدتها وبما ان الاجتهاد غير ميسور لكل أحد والاحتياط أيضا كذلك فيتعين التقليد.
وبعبارة أخرى : المكلف ابتداء مخير بين الاجتهاد والاحتياط والتقليد ، إلّا ان الاجتهاد لا يتمكن منه جميع الناس.
__________________
(١) الزخرف : ٢٣.