وأما المقام الثاني : وهو جواز تقليد المفضول وعدمه. فلا بد وان نفرض الكلام فيه فيما إذا كان فتوى المفضول مخالفا للاحتياط ، كما إذا أفتى الأعلم بوجوب السورة ، وغيره بعدمه ، وإلّا فيجوز الرجوع إليه ، لأنه احتياط. فتارة : يعلم بمخالفة فتوى غير الأعلم مع الأعلم ، ومخالفته للاحتياط أيضا ، امّا تفصيلا وامّا إجمالا. وأخرى : لا يعلم ذلك.
أما إذا علم بذلك ، فلا يجوز الرجوع إلى غير الأعلم ، وذلك لأن دليل حجية فتوى المجتهد لا يعم صورة المعارضة ، لأن شموله لهما معا يستلزم التعبد بحجية متناقضين ، وهو غير ممكن ، والترجيح بلا مرجح ، كما هو الحال في موارد تعارض الأمارتين مطلقا ، فلا بد في حجية أحدهما من التماس دليل آخر ، وفيما نحن فيه سيرة العقلاء قائمة على الرجوع إلى الأعلم ، والأخذ بفتواه ، دون فتوى المفضول ، كما نشاهد ذلك في اختلاف طبيبين ومهندسين وغير ذلك ، ولم يردع عنها فيستكشف بها حجية فتوى الأعلم.
على ان ما ادعاه الشيخ قدسسره من دعوى الإجماع على عدم جواز طرح كليهما يوجب دخوله في ما تقدم من دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، فإنّا لا نحتمل حجية فتوى المفضول معينا ، بل فتوى الأعلم مقطوع الحجية ، وفتوى غيره مشكوك الحجية ، والأصل عدم حجيته.
وأما إذا لم يعلم المخالفة ، أو لم يعلم كون فتوى المفضول مخالفا للاحتياط ، فالمعروف فيه أيضا الرجوع إلى الأعلم. وقد استدل عليه بوجوه :
الأول : انه مقتضى الأصل كما تقدم. وهو تام فيما إذا لم يثبت دليل على التخيير.
الثاني : مقبولة عمر بن حنظلة ، حيث جعل فيها من المرجحات الأفقهية.