وفيه : مضافا إلى ضعف السند ، لأن عمر بن حنظلة لم يوثق في كتب الرّجال ، انه مختص بتعارض الخبرين ، وأجنبي عن معارضة فتوى المجتهدين. وشهد لذلك أمران :
أحدهما : انه جعل فيها من المرجحات الأصدقية والأورعية ، وبالقطع واليقين ليست الأورعية ولا الأصدقية معينا للفتوى.
ثانيهما : ان الرواية هكذا «خذ بأصدقهما وأفقههما» فعين الأخذ بقول الأفقه من الراويين ، ولو كان في الفتوى لكان اللازم الأخذ بفتوى اعلم الناس ، لا أعلم الشخصين ، وانحصار الأعلم فيهما بعيد ، هذا مضافا إلى ان ظاهر الأفقهية في المقبولة هو كثرة الاطلاع على الأحكام الشرعية ، وهي ليست موجبة للتعيين في مقام التقليد ، لأن الأفقهية الموجبة لتعيين المقلد انما هي الدقة في النّظر والاستنباط ، لا كثرة التتبع والاطلاع.
ومن هذا ظهر الجواب عن التمسك بما ورد من أمر علي عليهالسلام مالكا بتعيين أعلم أصحابه للقضاء في المصر ، فانه أيضا في القضاء دون الفتوى ، وإلّا لزم تعيين أعلم من في الأرض ، لا أعلم أصحابه. ونظيره في الجواب عنه ما ورد في ذم من يقضي في الناس وفي المصر من هو أعلم منه ، فانه أيضا مختص بالقضاء ، اما وجوبا ، واما استحبابا ، وإلّا لم تختص بأهل المصر.
الثالث : انّ فتوى الأعلم أقرب إلى الواقع.
وفيه : منع الصغرى والكبرى. أما الصغرى ، فلأنّه قد يكون فتوى المفضول أقرب إلى الواقع ، لموافقته مع فتوى المشهور ، أو مع فتوى من كان أعلم من الأعلم الفعلي. وأما الكبرى فلأن الأقربية إلى الواقع لا دليل على مرجحيته.
فالصحيح من هذه الوجوه هو الوجه الأول لو لم يثبت دليل على التخيير.