والتفصيل بين التقليد ابتداء فلا يجوز ، واستمرارا فيجوز.
وليعلم ان الكلام تارة : يقع فيما إذا علم مخالفة فتوى الميت مع الحي الّذي يجب تقليده. وأخرى : في فرض عدم العلم بالمخالفة.
أمّا المقام الثاني : فقد يستدل فيه على الجواز بالاستصحاب ، فان فتواه قبل موته كانت حجة ، ويشك في حجيته بعد موته ، فيستصحب.
وقد أورد عليه بوجهين ، فان الاستصحاب كما بين في محله متقوم بأمرين ، اليقين بالحدوث والشك بالبقاء ، فأشكل على هذا الاستصحاب من كلتا الجهتين.
أما من جهة اليقين بالحدوث ، فلأن المجتهد السابق لم يكن فتواه حجة على من كان معلوما في ذاك العصر ، وانما كان فتواه حجة على من كان في عصره من العوام.
وفيه : أولا : ان حجية فتوى المجتهد غير مقيدة بخصوص المعاصرين له ، بل هو حجة على جميع المكلفين ، غايته ان المعدوم لم يكن قابلا لذلك ، والشك في حجيته بعد موته ليس لاحتمال اختصاص الحجية بالمعاصرين ، وانما هو لاحتمال اعتبار الحياة في المجتهد. وهذا نظير ما ذكرناه في استصحاب بقاء حكم الشريعة السابقة ، حيث قلنا : ان أحكام تلك الشريعة لم تكن مختصة بأهل ذاك الزمان ، وانما يشك في بقائها لاحتمال نسخها بالشريعة اللاحقة ، ومن هنا لو فرضنا بقاء ذاك المفتي إلى زمان وجود هذا المكلف أو وجوده قبل موته لكان فتواه حجة عليه قطعا ، فحجية فتوى المجتهد السابق على نحو الإطلاق كانت متيقنة ، سواء قلنا بأن الحجية عبارة عن جعل الحكم المماثل ، كما ذهب إليه جمع من القدماء ، أو منتزعة من الحكم التكليفي ، أو بمعنى جعل الطريقية ، أو التنجيز والتعذير على جميع المباني.