الاستقلالي بإفادة الخصوصيّات والكيفيّات المتعلّقة بالمفاهيم الاسميّة ، كما هو واضح ، وهذا البيان لبعض الأعلام على ما في كتاب المحاضرات (١).
وهذا أيضا مدفوع بأنّه خلط بين عنوان المقصود بالذات وعنوان الملحوظ بالاستقلال، وبينهما بون بعيد ، والممتنع في المعاني الحرفيّة هو الثاني بخلاف الأوّل ؛ إذ لا يمكن لحاظ أحد الخصوصيّات ـ كالمعيّة أو النسبة القائمة بين الموضوع والمحمول ـ استقلالا ، مع أنّها يمكن أن تكون مقصودة بالذات.
القول الثاني : ما عن نجم الأئمّة (٢) الشيخ الرضي قدسسره : من أنّ الحروف لا معنى لها أصلا ، إنّما وضعت لتكون علامة على كيفيّة إرادة مدخولاتها ، كما يكون الرفع علامة لفاعليّة زيد ـ مثلا ـ في قولنا : «قام زيد» ، كذلك يكون «في» علامة لظرفيّة مدخوله في مثل قولنا : «زيد في الدار» ، من دون أن يكون له معنى مخصوص بعنوان الموضوع له.
ولكن هذا القول مخدوش بل ممنوع ، فإنّا نرى : أوّلا : أنّ اللّغويّين يذكرون للحروف معاني في لغات اخرى كالأسماء ، وهذا دليل على أنّ لها موضوعيّة في جميع اللّغات مثل اللّغة العربيّة.
وثانيا : أنّ الأماريّة والعلاميّة في الحركات الإعرابيّة لا تكون ذاتيّة ، بل هي بجعل الواضع والجاعل ، وذلك في الحقيقة وضع ، وإن عبّر عنه بالعلاميّة.
وثالثا : أنّ الخصوصيّات التي دلّت عليها الحروف والأدوات هي بعينها المعاني التي وضعت الحروف بإزائها ؛ إذ «البصرة» وضعت لذات معناها ، وهي البلد الموجود خارجا ، والخصوصيّة الابتدائيّة خارجة عنها ، فإن لم يكن
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ١ : ٥٨.
(٢) شرح الكافية ١ : ١٠ و ٢ : ٣١٩.