يحتاج الواضع الحكيم إلى وضع ما يدلّ عليها ويوجب إفادتها عند قصد المتكلّم تفهيمها ، وليس ذلك إلّا الحروف والأدوات وما شابهها من الهيئات الدالّة على النسب الناقصة ، كهيئات المشتقّات وهيئة الإضافة والتوصيف ، فكلّ متكلّم متعهّد في نفسه بأنّه متى قصد تفهيم حصّة خاصّة من معنى بأن يجعل مبرزه حرفا مخصوصا أو ما يشبهه على نحو القضيّة الحقيقيّة ، لا بمعنى أنّه جعل بإزاء كلّ حصّة أو حالة حرفا مخصوصا أو ما يحذو حذوه ، بنحو الوضع الخاصّ والموضوع له الخاصّ ؛ لأنّه غير ممكن ـ كما عرفت ـ لعدم تناهي الحصص.
فكلمة «في» في جملة : «الصلاة في المسجد حكمها كذا» تدلّ على أنّ المتكلّم أراد تفهيم حصّة خاصّة من الصلاة ، وكان في مقام بيان حكم هذه الحصّة لا الطبيعة السارية إلى كلّ فرد ، وأمّا كلمتا «الصلاة» و «المسجد» فهما مستعملتان في معناهما المطلق واللابشرط ، بدون الدلالة على التضييق والتخصيص أصلا. ومن هنا كان تعريف الحرف ب «ما دلّ على معنى قائم بالغير» من أجود التعريفات وأحسنها.
ثمّ قال في آخر كلامه : إنّ المعاني الحرفيّة عبارة عن تضييقات نفس المعاني الاسميّة في عالم المفهوميّة وتقييداتها بقيود خارجة عن حقائقها بلا نظر إلى أنّها موجودة في الخارج أو معدومة ، ممكنة أو ممتنعة ، ومن هنا قلنا : إنّ استعمالها في الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد ، والذي دعاني إلى اختيار ذلك القول أسباب أربعة : السبب الأوّل : بطلان سائر الأقوال ، السبب الثاني : أنّ المعنى الذي ذكرناه مشترك فيه جميع موارد استعمال الحروف من الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد. السبب الثالث : أنّ ما سلكناه في