المتكلّم ، ويرجع هذا إلى ما قال به المحقّق النائيني قدسسره من أنّ معاني الحروف معان إيجاديّة ، وهو كما ترى.
أقول : إنّه لا بدّ لنا بعد ملاحظة الأقوال في المسألة من لحاظ أنّ الوضع في باب الحروف واحد أم لا؟ وأنّ مفاد حرف واحد منها في الجملة الخبريّة مغاير لمفاده في الجملة الإنشائيّة أم لا؟ وقبل الخوض في البحث نلاحظ الجملة المعروفة في الألسنة لحاظا دقّيّا ، وهي عبارة عن جملة : «سرت من البصرة إلى الكوفة» ونبحث فيها في مراحل :
الاولى : في بيان الواقعيّة التي تحكي هذه الجملة الخبريّة عنها ، فلا يخفى أنّ الذاهب إذا ذهب من «البصرة» وبلغ «الكوفة» كانت أربعة واقعيّات محقّقة بلا إشكال ، وهي واقعيّة السائر ، والسير ، والبصرة ، والكوفة ، ولكن مع هذا لا يشكّ الوجدان السليم في تحقّق الواقعيّتين الاخريين باسم الابتدائيّة والانتهائيّة ، بحيث إن انعكس السير تغيّرت الواقعيّتان وإن لم تتغيّر الواقعيّات الأربعة المذكورة. هذا ممّا لا شبهة فيه.
إن قلت : إنّ الممكن في الخارج إمّا جوهر وإمّا عرض ، وكلّ منهما زوج تركيبيّ ، يعني مركّب من ماهيّة ووجود ، ولا ثالث لهما.
قلنا : لا دليل على الانحصار فيهما ؛ ضرورة أنّا نرى بالوجدان الواقعيّتين المذكورتين وراء الواقعيّات الأربعة الموجودة ، ولكنّهما واقعيّتان ضعيفتان حتّى من وجود العرض ، فإنّه يحتاج في وجوده الخارجي إلى الموضوع ، ولكنّهما احتياج صرف فانيتان في البصرة والكوفة والسير ، ولا تحقّق لهما بدونهما ، وهما مندكّان فيها ، بداهة أنّ عنوان الابتدائيّة والانتهائيّة لا يكون قابلا للرؤية ، مع أنّ لهما واقعيّة حقيقيّة.