ويستفاد نظير هذا المعنى من كلام صاحب الأسفار قدسسره (١) في باب الممكنات وهو أنّ : وجودها عين الربط ، لا أنّها وجودات لها الربط في قبال وجود الواجب ، مع أنّ واقعيّة الممكنات ليست قابلة للإنكار ، فلا منافاة بين واقعيّة الشيء وعينيّته للربط ، ولذا عبّر المحقّق الأصفهاني قدسسره عنه بالوجود الرابط في قبال الوجود الرابطي.
المرحلة الثانية : في الصورة المرتسمة عن الجملة المذكورة في ذهن السامع والمخاطب ، ولا نشكّ في إدراك الواقعيّات الستّة المذكورة إن لاحظ ونظر إلى سير السائر من البصرة إلى الكوفة ، وأمّا في صورة عدم نظارته إليه فيقول المتكلّم له : «سرت من البصرة إلى الكوفة» ومعنى الجملة الخبريّة الصادقة لا يكون إلّا إلقاء الواقعيّة كما هي للمستمع ، فلا شكّ في أنّ المخاطب كما ينتقل ذهنه من هذه الجملة إلى واقعيّة السير والسائر ، والبصرة ، والكوفة ، كذلك ينتقل ذهنه من كلمتي «من» و «إلى» إلى الواقعيّة الابتدائيّة والانتهائيّة ، ولكنّه بالصورة الاندكاكيّة والارتباطيّة ، يعني كما هي.
المرحلة الثالثة : في الألفاظ المستعملة في هذه الجملة الخبريّة ، فلا يخفى أنّ أهل الأدب والنحويّين يقولون في مقام تركيب هذه الجملة : إنّ كلمة «من» جار ، وكلمة «البصرة» مجرور ، وكلاهما متعلّق بكلمة «سرت» ، مع أنّهم لا يقولون بهذا المعنى في مقام تركيب الفاعل والمفعول ، وهذا شاهد على التفاتهم إلى أنّ المعنى الذي كانت حقيقته صرف الربط لا بدّ في مقام اللفظ أيضا من المتعلّق له ، بخلاف المعاني المستقلّة كالفاعل والمفعول. فالوجدان حاكم بوجود هذه الواقعيّة في المراحل الثلاثة ، كما هي واضحة ، وليست قابلة للإنكار ،
__________________
(١) الحكمة المتعالية ١ : ٣٢٩ ـ ٣٣٠.