وتعالى ، ولذا وضعوا مكان الفصل لازمه وخاصته ، فالناطق ليس بفصل حقيقي للإنسان ، بل هو فصل مشهوري وضع مكانه ، فإنّ النطق إمّا أن يكون بمعنى الإدراك والعلم وهو من مقولة الكيف النفساني أو الإضافة أو الانفعال على الخلاف في ماهيّة العلم ، وإمّا أن يكون بمعنى التكلّم فهو من مقولة الكيف المسموع ، وعلى التقديرين يكون النطق عرضا ، فكيف يكون مقوّما للجواهر؟! فلا يلزم من أخذ مفهوم الشيء في معنى المشتقّ إلّا دخول العرض العامّ في الخاصّة ، بمعنى دلالة هيئة المشتقّ على العرض العامّ المقرون بالخاصّة.
ويشهد له أنّه ربّما يجعلون اللازمين مكان فصل واحد كالحساس والمتحرك بالإرادة في تعريف الحيوان ، مع أنّه لا يعقل أن يتقوّم الشيء الواحد بفصلين قريبين في رتبة واحدة ، وحينئذ لا بأس بأخذ مفهوم الشيء في مثل الناطق ، فإنّ مفهوم الشيء وإن كان عرضا عامّا لجميع الأشياء الخارجيّة والمعقولات الثانية ، إلّا أنّه بعد تقييده بالنطق صار من أظهر خواصّ الإنسان ؛ لاختصاص الشيء الذي له النطق بالإنسان.
وأجاب صاحب الفصول (١) عن برهانه الثاني : أنّ المحمول في مثل قولنا : «زيد ضاحك» ليس مصداق الضاحك وهو الإنسان مطلقا لتنحلّ القضيّة إلى قولنا : «الإنسان إنسان» فتكون ضروريّة ، بل المحمول هو الإنسان المقيّد بالضحك ، يعني إنسان له الضحك ، وإثباته للإنسان لا يكون ضروريّا ، فتبقى جهة الإمكانيّة بعد هذا التحليل أيضا.
وقال المحقّق الخراساني قدسسره (٢) في مقام الدفاع عن الانقلاب المذكور : إنّ عدم
__________________
(١) الفصول الغروية : ٦١.
(٢) كفاية الاصول ١ : ٧٩ ـ ٨٠.