الحمليّة.
وإن قلت : لا يحمل الشيء على نفسه فلا بد من المغايرة وإن كانت اعتباريّة حتّى يصحّ الحمل ، وإلّا كيف يحمل الشيء على نفسه؟!
قلت : لا إشكال في حمل الشيء على نفسه ، ألا ترى أنّ بيان ماهيّة الإنسان ـ مثلا ـ بصورة قضيّة حمليّة وقولك : «الإنسان حيوان ناطق» لا يحتاج إلى أيّ اعتبار كما لا يخفى ؛ إذ لا ضرورة في مقام الإخبار وإلقاء الواقع إلى اعتبار المغايرة أصلا ، ومن المعلوم أنّ الجملة الخبريّة هي مرآة للواقع ، ولذا لا يكون ملاك الحمل في القضايا الحمليّة إلّا الاتّحاد ، وأقلّ مراتبه الاتّحاد في الوجود ، وأعلى منه الاتّحاد في الماهيّة والمفهوم ، فلا وجه لاعتبار التغاير ، بل لعلّه ليس بصحيح ؛ إذ هو على خلاف الواقع.
ويستفاد من كلمات الإمام قدسسره (١) على ما في تقريراته : أنّ القضيّة الحمليّة تكون في الحقيقة ثلاث قضايا : أحدها : القضيّة المحكية ، وهي عبارة عن الواقعيّة الخارجيّة التي تخبر القضيّة الحمليّة عنها في مقام الحكاية. وثانيها : القضيّة الملفوظة ، وهي عبارة عن نفس الألفاظ المستخدمة بعنوان الموضوع والمحمول. وثالثها : القضيّة المعقولة ، وهي عبارة عن الصورة الحاصلة في ذهن المستمع من القضيّة الملفوظة.
ثمّ قال : فكما لا يكون التغاير الواقعي متحقّقا في القضيّة المحكيّة الصادقة كذلك لا معنى للتغاير الاعتباري ، واعتبار التغاير بوجه ؛ لأنّ اعتبار التفكيك ينافي الإخبار بالاتّحاد والهوهويّة. نعم ، تغاير الموضوع والمحمول في القضيّة الملفوظة والمعقولة وجودا أو مفهوما أيضا ممّا لا بدّ منه ، فإذا قلت : «زيد زيد»
__________________
(١) تهذيب الاصول ١ : ١٢٧.