الطلب والإرادة ، خلافا لقاطبة أهل الحقّ والمعتزلة.
ولكن لا بدّ لنا من ذكر مقدّمة لتحقيق المسألة وهي : أنّ المسائل الاعتقاديّة ـ مثل وجود الصانع وصفاته الثبوتيّة والسلبيّة والمعاد وأمثال ذلك ـ كانت محلّا للبحث والنزاع من القرون المتمادية قبل الإسلام بين الناس ، وأمّا بعد ظهور الإسلام ونزول القرآن فقد ظهر للمسلمين رءوس المسائل الاعتقاديّة كمقام الربوبيّة والخالقيّة وسائر صفاته تعالى ، والمبدأ والمعاد وغير ذلك ، وأمّا بعد استقرار الحكومة الإسلاميّة ووقوع حروب مكرّرة بين المسلمين والكفّار ، وإسارة بعض علمائهم ، ومعاشاتهم معهم ، وإلقاء اعتقاداتهم بينهم ، وإسلام بعضهم على الظاهر ، ونفوذ نظريّاتهم الخاصّة بينهم ، فقد جعل بعض نظريّاتهم محلّا للبحث.
على أنّ ارتباط الخلفاء بالحكّام الكفّار وتبادل السفراء بينهم وانعقاد المعاهدات بينهم ـ مثل انعقاد المعاهدة بين معاوية وحاكم الروم (١) ـ أوجب وقوع المسلمين في جريان اعتقاداتهم.
والمهمّ من ذلك أنّ اندحار الكفّار ـ بالأخصّ اليهود والنصارى ـ وذلّتهم في زمن حياة رسول الله صلىاللهعليهوآله بيد المسلمين وعدم تسليمهم مع ذلك في مقابل الإسلام من حيث الاعتقاد يوجب القطع بأنّهم كانوا دخلاء في انحراف الخلافة عن مسيرها الأصلي ، بل نرى تسلّط أياديهم وعمّالهم على المقامات العاليّة من الحكومة الإسلاميّة ومشاورة الخلفاء لهم في الامور المهمّة ، ويشهد على ذلك مصاحبة معاوية ومشاورته ل «سرجون» النصراني وابنه منصور وحضورهما في المقامات العالية ، مثل أمارة الماليّات وأرزاق العساكر ،
__________________
(١) حجة السعادة : ٧٠.