وأمثالهما ، كما مرّ في باب المجاز أنّ المجاز ليس التلاعب بالألفاظ ، بل المستعمل فيه في الاستعمالات المجازيّة عبارة عن المعنى الحقيقي والموضوع له ، كما قال به السكّاكي في خصوص الاستعارة ـ أي المجاز بعلاقة المشابهة ـ إلّا أنّ المعنى الحقيقي قد يثبت الذهن فيه ولا يتجاوز إلى غيره ، وقد يجعل معبرا للتجاوز عنه إلى المصداق الادّعائي.
ومن المعلوم أنّ الاستعمالات المجازيّة إذا كانت بهذه الكيفيّة تكون جامعة للمحسّنات البيانيّة ، بخلاف ما قال به المشهور ، كقول الشاعر :
قامت تظلّني ومن عجب |
|
شمش تظلّلني عن شمس |
فإنّ التعجّب من أنّ الشمس كيف تكون حائلة بينه وبين الشمس ، ولا معنى للتعجّب إذا كان المراد من الشمس معشوقته وهذا نظر ابتكره الشيخ محمّد رضا الأصفهاني صاحب كتاب وقاية الأذهان استاذ الإمام قدسسرهما.
كذلك في صيغة «افعل» فإنّها وضعت للبعث والتحريك الاعتباري ، أمّا إذا كان استعمالها بداعي تحقّق المبعوث إليه في الخارج يكون الاستعمال على نحو الحقيقة ، وأمّا إذا كان بدواعي أخر كالتعجيز والتسخير والتمنّي والترجّي ، مثل قول أمرئ القيس :
ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي |
|
بصبح وما الإصباح منك بأمثل |
فيكون الاستعمال فيها على نحو المجاز ، ولكنّ المستعمل فيه هو المعنى الحقيقي الذي جاوزنا عنه إلى هذه الأغراض.
ثمّ إنّ صاحب الكفاية قدسسره (١) ذكر بحثا لدفع المشكلة القرآنيّة ؛ بأنّا نرى في القرآن استعمال أدوات الاستفهام والتمنّي والترجّي ، كقوله تعالى : (وَما تِلْكَ
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ١٠٢ ـ ١٠٣.