إقامة الأدلّة لكونها حقيقة في الوجوب قال : يستفاد من تضاعيف أحاديثنا المرويّة عن الأئمّة عليهمالسلام أنّ استعمال صيغة الأمر في الندب كان شائعا في عرفهم ؛ بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي احتمالها من اللفظ لاحتمال الحقيقة عند انتفاء المرجّح الخارجي ، فيشكل التعلّق والتمسّك في إثبات وجوب الأمر بمجرّد ورود الأمر به منهم عليهمالسلام.
والحاصل : أنّ المجاز الراجح والمشهور يوجب التقدّم على المعنى الحقيقي ، ولا أقلّ من التوقّف وعدم الحمل على خصوص أحدهما ، فهذا الادّعاء معارض لادّعاء الانصراف إلى الوجوب.
وقال المحقّق الخراساني قدسسره (١) في مقام جواب صاحب المعالم : إنّ كثرة الاستعمال في الندب في الكتاب والسنّة وغيرهما لا توجب نقله إليه أو حمله عليه ؛ لكثرة استعماله في الوجوب أيضا ، مع أنّ الاستعمال وإن كثر فيه إلّا أنّه كان مع القرينة المصحوبة ، وكثرة الاستعمال كذلك في المعنى المجازي لا يوجب صيرورته مشهورا فيه ليرجّح أو يتوقّف ، على الخلاف في المجاز المشهور. فلذا دعوى الانصراف إلى الندب بعنوان المجاز المشهور غير صحيح.
والتحقيق : أنّ هذا يكفي في مقام جواب صاحب المعالم قدسسره ، ولكن لا يثبت به ادّعاء الانصراف إلى الوجوب كما لا يخفى. فلا دليل لهذا الادّعاء.
وأمّا الاستفادة من مقدّمات الحكمة كما مرّ تفصيله في مادّة الأمر عن المحقّق العراقي قدسسره (٢) بأنّ المولى إذا كان في مقام البيان لا في مقام الإجمال أو الإهمال ولم ينصب قرينة على الندب ولم يكن قدر متيقّن في مقام التخاطب فلا بدّ من حمل
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ١٠٤.
(٢) نهاية الأفكار ١ : ١٦٠ ـ ١٦٣.