والإحاطة به ـ كعلم الفلسفة الاولى ـ فامتيازه عن غيره إمّا بالذّات أو بالموضوع أو بالمحمول، كما إذا فرض أنّ غرضا يدعو إلى تدوين علم يجعل الموضوع فيه «الكرة الأرضيّة» ـ مثلا ـ ويبحث فيه عن أحوالها من حيث الكمّيّة والكيفيّة والوضع والأين ، إلى نحو ذلك ، وخواصّها الطبيعيّة ومزاياها على أنحائها المختلفة ، أو إذا فرض أنّ غرضا يدعو إلى تدوين علم يجعل موضوعه «الإنسان» ويبحث فيه عن حالاته الطارئة عليه ، وعن صفاته من الظاهريّة والباطنيّة ، وعن أعضائه وجوارحه وخواصّها ، فامتياز العلم عن غيره في مثل ذلك إمّا بالذات أو بالموضوع ولا ثالث لهما ؛ لعدم غرض خارجي له ما عدا العرفان والإحاطة ليكون التمييز بذلك الغرض الخارجي ، كما أنّه قد يمكن الامتياز بالمحمول فيما إذا فرض أنّ غرض المدوّن يتعلّق بمعرفة ما تعرضه الحركة ـ مثلا ـ فله أن يدوّن علما يبحث فيه عن ما تثبت الحركة له ، سواء كان ما له الحركة من مقولة الجوهر أم من غيرها من المقولات ، فمثل هذا العلم لا امتياز له إلّا بالمحمول». هذا تمام كلامه.
ولا يخفى أنّ في صدر كلامه وذيله نحو تهافت ، فإنّه قال : إذا لم يكن للعلم غرض خارجي يترتّب عليه سوى العرفان والإحاطة به ـ كعلم الفلسفة الاولى ـ فامتيازه عن غيره إمّا بالذات أو بالموضوع أو بالمحمول ، ثمّ بعد ذلك ذكر المثالين فقال : فامتياز العلم عن غيره في مثل ذلك إمّا بالذات أو بالموضوع ولا ثالث لهما ، ثمّ ذكر للتمايز مثالا آخر. وهذا ليس إلّا عين التهافت.
ولكن مع غمض البصر عن ذلك ترد عليه إشكالات متعدّدة :
منها : أنّه إذا كان تمايز العلوم في مقام التدوين بالأغراض الباعثة إليها ـ كما