الجمعة ـ مثلا ـ يصحّ قول المجتهد بأنّا نستنبط وجوب صلاة الجمعة من الرواية ، وأمّا لو أحرزه من طريق الاستصحاب فلا يصحّ التعبير بأنّا نستنبطه من الاستصحاب ، فإنّ الحكم بوجوب صلاة الجمعة كان من مصاديق «لا تنقض اليقين بالشكّ» ، ولا يصحّ التعبير بأنّا نستنبط حكم الفرد من الكلّي ؛ لأنّه تطبيق الكلّي على المصاديق ، فلو قال المولى : «أكرم كلّ عالم» وأنت عند المواجهة مع الحسن العالم لا تقول : إنّا نستنبط وجوب إكرامه من «أكرم كلّ عالم» ، وإن أمكن ترتيب قياس ينتج حكما ثابتا لعنوان كلّي ، كما يقال : وجوب صلاة الجمعة قد شكّ في بقائه ، وكلّ ما شكّ في بقائه ، فهو باق ، فوجوب صلاة الجمعة باق ، إلّا أنّ المستنبط مصداق من مصاديق الحكم الاستصحابي الواقع كبرى للقياس المذكور ، فالاستصحاب الجاري في الشبهات الحكميّة خارج عن مسائل علم الاصول ، وهكذا سائر الاصول.
وهذان الإشكالان أوجبا عدول المحقّق الخراساني قدسسره إلى تعريفه : بأنّه صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام ، أو التي ينتهي إليها في مقام العمل ، أي علم الاصول صناعة يعرف بها القواعد التي لها إحدى الخصوصيّتين : إمّا وقوعها في طريق الاستنباط ، وإمّا انتهاء المجتهد إليها في مقام العمل بعد الفحص واليأس عن الدليل في المقام ، فيشمل هذا التعريف الظنّ الانسدادي على الحكومة ، فإنّ بعد تماميّة المقدّمات هو الذي ينتهي إليه المجتهد في مقام العمل إن لم يترتّب عليه الحكم الواقعي أو الظاهري القطعي ، وهكذا في الاستصحاب وإن لم يصدق عليه الاستنباط إلّا أنّ المجتهد ينتهي إليه في مقام العمل.
وأوردوا على هذا التعريف إشكالات متعدّدة ومهمّة :