وربما يقال بوجود الجامع بينهما وأنّه القواعد التي تشخّص وظيفة المكلّف في مقام العمل ، أو أنّه القواعد التي ترفع التحيّر في مقام العمل. وكلّ منهما تشمل جميع القواعد الاصوليّة حتّى الظنّ الانسدادي على الحكومة ، والاصول العمليّة الجارية في الشبهات الحكميّة ، فإنّها ترفع التحيّر ، كما يرفعه خبر الواحد وسائر القواعد والأدلّة.
ولكن يرد عليه : أنّ هذا الجامع ليس بصحيح فإنّه يشمل القواعد الفقهيّة أيضا ؛ إذ المكلّف إن شكّ وتحيّر في ضمان بيع الفاسد يرتفع تحيّره وتتعيّن وظيفته في مقام العمل بقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» مثل الخبر الواحد وسائر القواعد ، فالإشكال في محلّه.
والإشكال المهمّ عليه في باب الأمارات الشرعيّة ، فإنّ الاصوليّين اختلفوا في معنى حجّيّة الأمارات الشرعيّة ، فالبعض قال : بأنّ معناه جعل الحكم الظاهري على طبق مؤدّاها وإن لم يكن في الواقع كذلك ، مثلا : إذا روى زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّ صلاة الجمعة واجبة ، فيجعل الشارع بمقتضى حجّيّة خبر الثقة الوجوب حكما ظاهريّا لها ، سواء كانت بحسب الواقع واجبة أو لا ، ولذا قلنا : إنّ الاستنباط عندهم أعمّ من استنباط الحكم الظاهري والواقعي.
ولكن خالفهم المحقّق الخراساني قدسسره (١) هاهنا ، فإنّه قال : إنّ كلمة «الحجّة» تارة تستعمل في الأمارات العقليّة ـ مثل قولك : القطع حجّة ـ وتارة تستعمل في الأمارات الشرعيّة ـ مثل قولك : خبر الواحد حجّة ـ ولا معنى للحجّيّة في كليهما إلّا المنجزيّة والمعذريّة بحسب إصابة الواقع ومخالفته ، فلا يكون هنا من جعل الحكم الظاهري خبر ولا أثر ، كما في الأمارات العقليّة ، ولكن حجّيّة
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ٩ ـ ١٠.