القطع ذاتيّة وعقليّة لا تنالها يد الجعل نفيا ولا إثباتا ، وحجّيّة خبر الواحد وأمثاله بجعل الشارع ، بمعنى : أنّ الحجّيّة الشرعيّة حكم من الأحكام الوضعيّة مجعولة للشارع كالملكيّة والزوجيّة.
إذا عرفت هذا فنقول : مع أنّ مبحث الحجّيّة في باب خبر الواحد من أهمّ المسائل ـ كما اعترف به ـ ولكن لا تشمله إحدى الخصوصيّتين المذكورتين في التعريف ، فإنّ زرارة إذا روى وجوب صلاة الجمعة عن الأئمّة عليهمالسلام فخبره إن كان مطابقا للواقع يتنجّز الواقع ويترتّب عليه الثواب بعد الامتثال ، وإن كان مخالفا للواقع فلا يترتّب عليه العقاب ، بل هو معذور في ترك صلاة الظهر ، وهذا ليس من استنباط الأحكام بوجه ، كما أنّه لا يكون خبر الواحد وأمثاله من القواعد التي ينتهي إليها في مقام العمل ، فإنّا نرجع إليها في بادئ الأمر ، وبعد الفحص واليأس منها نتمسّك ونرجع إلى القواعد الأخر ، فهذا التعريف لا يشمل الأمارات الشرعيّة التي تكون من أهمّ المسائل.
قال المحقّق النائيني قدسسره (١) في المقام : «إنّ علم الاصول عبارة عن العلم بالكبريات التي لو انضمت إليها صغرياتها يستنتج منها حكم فرعي كلّي».
أقول : مع قطع النظر عن ذكر كلمة العلم ـ كما ذكره المشهور في تعريفهم ـ يرد عليه إشكالان :
الأوّل : أنّ هذا التعريف يشمل عدّة من القواعد الفقهيّة ، فإنّ القواعد الفقهيّة تكون على قسمين : قسم منها بمنزلة النوع للماهيّة والمسائل الداخلة تحتها الأفراد والمصاديق ، وقسم منها بمنزلة الجنس للأنواع الداخلة تحته ، ولا نرتاب في أنّ القواعد التي تكون بمنزلة الجنس لأنواعه ـ مثل قاعدة ما يضمن
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٣ ، فوائد الاصول ١ : ١٩.