الإنسان عارفا بهذه العلوم كذلك أو كان عارفا ببعضها دون بعضها الآخر لم يقدر على الاستنباط ـ إلّا أنّ وقوعها ودخلها فيه لا يكون بنفسها وبالاستقلال ، بل لا بدّ من ضمّ كبرى اصوليّة ، وبدونها لا تنتج نتيجة شرعيّة أصلا ؛ ضرورة أنّه لا يترتّب أثر شرعي على وثاقة الراوي ما لم ينضمّ إليها كبرى اصوليّة وهي حجّيّة الرواية ، وهكذا.
وبذلك قد امتازت المسائل الاصوليّة عن مسائل سائر العلوم ، فإنّ مسائل سائر العلوم وإن كانت تقع في طريق الاستنباط ـ كما عرفت ـ إلّا أنّها لا بنفسها بل لا بدّ من ضمّ كبرى اصوليّة إليها. وهذا بخلاف المسائل الاصوليّة ، فإنّها كبريات لو انضمّت إليها صغرياتها لاستنتجت نتيجة فقهيّة من دون حاجة إلى ضمّ كبرى اصوليّة اخرى (١).
أقول : فيه : أوّلا : أنّ ذكر كلمة «العلم» في التعريف كما بيّناه مرارا لغو ، فإنّ علم الاصول عبارة عن مجموعة من القواعد الاصوليّة لا دخل للعلم بها وجودا وعدما.
وثانيا : أنّ شمول الاستنباط للتنجّز والتعذّر غير صحيح ، فإنّ على فرض كون الحجّيّة بمعنى المنجزيّة والمعذّريّة ـ كما قال به المحقّق الخراساني قدسسره ـ لا يكون معناهما سوى القضيّتين الشرطيّتين ، مثلا : إذا روى زرارة وجوب صلاة الجمعة وأنت قلت بحجّيّة خبره فمعناه أنّه إن كان خبره مطابقا للواقع فالواقع منجّز علينا ، وإن كان مخالفا للواقع فنحن معذورون في مخالفة الواقع ، ومعلوم أنّ هاهنا لا يصدق الاستنباط ، ولا يصحّ القول : بأنّا نستنبط حكم صلاة الجمعة. ومن البديهي عدم دوران الحجّيّة مدار حصول الظنّ ، فإنّ خبر
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ١ : ٩.