والتحقيق : أنّ هذا البيان ليس بصحيح ، فإنّ عنوان المكلّف وإن كان ظاهرا في المكلّف الفعلي ، ولكن ليس معناه فعليّة التكليف حتّى بالنسبة إلى هذه العناوين الثلاثة ، بل معناه أنّ بعد الورود في دائرة التكليف يصير بعض التكاليف بالنسبة إليه فعليّا لا جميع التكاليف ، ويتحقّق بالنسبة إلى البعض الآخر الحالات المذكورة.
وما هو المهمّ في البحث أنّ المكلّف هنا مختصّ بالمجتهد أو أعمّ منه ، ولا قرينة في كلام الشيخ قدسسره لتعيين أحدهما ، ويستفاد من عبارة صاحب الكفاية قدسسره اختصاصه بالمجتهد بلحاظ قوله : متعلّق به أو بمقلّديه ، كما قال به المحقّق النائيني قدسسره (١).
ومعلوم أنّ القطع حجّة سواء كان بالنسبة إلى الحكم أو الموضوع ، وإن كان مخالفا لنظر مقلّد القاطع ، فإنّ حجّيّة فتواه له تكون بعنوان الأمارة ، وقد عرفت أنّ العمل بها وظيفة غير القاطع ، وحجّيّة القطع أمر ذاتي وبديهيّ ولا يتوقّف على أمر المفتي ، كما أنّ أصل التقليد ومراجعة الجاهل بالعالم يكون كذلك ، فعموميّة دائرة القطع وشموله للمجتهد والمقلّد لا شكّ فيه ، وهكذا الاصول العمليّة والأمارات الجارية في الموضوعات ، مثل استصحاب نجاسة الثوب وقيام البيّنة على خمريّة مائع لا يرتبط بالمجتهد ، إلّا من جهة قوله بحجّيّة الاستصحاب والأمارة.
إنّما الإشكال في الأمارات الدالّة على أصل الحكم والاصول العمليّة الجارية في الشبهات الحكميّة ، والمحقّق النائيني قدسسره قائل بعدم ارتباطها بالمقلّد العامّي ؛ لعدم اطّلاعه بقيام الأمارة على وجوب صلاة الجمعة ـ مثلا ـ وعدم
__________________
(١) فوائد الاصول ٣ : ٦.