مفسّرا ومبيّنا للدليل المحكوم ، ولا يكون الدليل المحكوم من الابتداء وبالإرادة الاستعماليّة شاملا لمورد الدليل الحاكم ، بل يتخيّل أنّه يشمله ، وهذا بخلاف التخصيص الذي يخرج مورده عن تحت العام بالإرادة الجدّية بعد شموله له بالإرادة الاستعماليّة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لا شكّ في تقدّم أدلّة حجّية الخبر الواحد على الآيات الناهية ، إلّا أنّ الاختلاف في وجه التقدّم.
والتحقيق : أنّ تقدّمها عليها بنحو الورود ، وتقريب ذلك : أنّ المراد من كلمة العلم في الآيات الناهية ـ مثل : قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) ـ لا يكون القطع واليقين ، بل المراد منه الدليل المعتبر القابل للاستناد ، نظير قوله تعالى : (هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا)(٢) ، فالآيات الناهية تمنع عن متابعة الدليل غير المعتبر.
ومن المعلوم أنّ بعد إثبات حجّية الخبر الواحد بالأدلّة الآتية يتحقّق الدليل المعتبر عند الشارع ، فلا يبقى موضوع للآيات الناهية فيما يدلّ عليه الخبر الواحد المعتبر ، ولذا تكون أدلّة الحجّية واردة عليها.
وإن أبيت عن ذلك وقلت : إنّ المراد من العلم في الآيات الناهية هو القطع واليقين ، فنقول : سلّمنا أنّ الخبر الواحد بالنسبة إلى المخبر به ومفاده ظنّي ، ولكنّ أدلّة حجّيته قطعيّة لا محالة ؛ إذ لا بدّ من انتهاء حجّية كلّ ظنّ إلى الدليل القطعي ، كما مرّ ، فمع القطع بحجّية الخبر الدال على وجوب صلاة الجمعة ـ مثلا ـ لا يبقى هنا موضوع للآيات الناهية عن اتّباع غير العلم ، ولذا نقول : إنّ الخبر
__________________
(١) الاسراء : ٣٦.
(٢) الأنعام : ١٤٨.