الوجه الثاني : الاستدلال بمفهوم الشرط ، ببيان أنّه تعالى علّق وجوب التبيّن على مجيء الفاسق بالنبإ ، فينتفي وجوبه عند انتفائه بمجيء العادل بالنبإ.
ويرد عليه : أوّلا : أنّه على فرض تحقّق المفهوم للقضيّة الشرطيّة لا بدّ من كون الشرط أمرا مغايرا للموضوع ، بحيث يمكن أن يتحقّق للموضوع ويمكن أن لا يتحقّق له ، وأمّا إذا كان عنوان الشرط متّحدا مع عنوان الموضوع لا زائدا عليه وسيق الشرط لبيان الموضوع فلا مفهوم لها.
ومعلوم أنّ القضيّة الشرطيّة في الآية الشريفة مسوقة لبيان تحقّق الموضوع ، نظير قولك: «إن رزقت ولدا فاختنه» ، فإنّ الختان عند انتفاء الولد منتف بانتفاء موضوعه ، ولا مفهوم له ، فكذلك الآية لا مفهوم لها.
توضيح ذلك : أنّ الموضوع في الآية ليس طبيعي النبأ بل الموضوع فيها خصوص نبأ الفاسق ، والشرط هو المجيء ، والجزاء هو وجوب التبيّن ، بمعنى أنّ نبأ الفاسق إن جاءك يجب التبيّن فيه ، فيكون المفهوم حينئذ عدم وجوب التبيّن عند عدم مجيء الفاسق بالنبإ ، فحينئذ لا موضوع في البين حتّى يجب التبيّن فيه أو لا يجب ، ولا بدّ من فرض موضوع محفوظ في كلا جانبي وجود الشرط وعدمه حتّى يثبت المفهوم ، وعليه فلا مفهوم للآية لكونها مسوقة لبيان تحقّق الموضوع.
وأجاب عنه المحقّق الخراساني قدسسره (١) وحاصل كلامه : أنّ الموضوع في الآية هو طبيعة النبأ لا نبأ الفاسق ، وقد علّق وجوب التبيّن على كون الجائي به فاسقا ، فإذا انتفى الشرط لا يجب التبيّن في النبأ ، فكأنّه قيل : النبأ الذي جاءكم له حالتان : إن كان الذي جاء به فاسقا يجب التبيّن فيه ، وليس بحجّة ، وإن كان
__________________
(١) كفاية الاصول ٢ : ٨٣.