بلحاظ استعمال كلمة «النفر» في القرآن في النفر إلى الجهاد على ما هو الظاهر ، فتكون الآية في مقام تشويق طائفة من كلّ فرقة للنفر إلى الجهاد بداعي التفقّه حين الجهاد في حالات المجاهدين والأسرار التي تتحقّق في الغزوات من الخصوصيّات غير العاديّة ، وإنذار أقوامهم المشركين بها بعد الرجوع إليهم ليحصل لهم التحذّر والخوف النفساني.
وإن قيل بنزولها في مورد النفر إلى التفقّه بأحكام الدين من الواجبات والمحرّمات وإنذار قومهم بها بعد الرجوع إليهم.
وقال بعض ـ على ما نقل عن ابن عبّاس في شأن نزول الآية ـ : إنّ بعد عدم شركة المنافقين في غزوة تبوك ، وبناء المسلمين بالشركة في كلّ غزوة وسريّة ، وبقاء رسول الله صلىاللهعليهوآله وحده في غزوة بالمدينة ، فنزلت الآية بهذه المناسبة ، وأنّ اللازم بقاء عدّة للتفقّه وإنذار المجاهدين بعد الرجوع إليهم لعلّهم يحذرون.
ولكنّه مخالف لظاهر الآية وذلك أوّلا : أنّ التفقّه في الآية وظيفة النافرين ، وثانيا : أنّ قوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) لا يناسب المجاهدين بل يناسب الكفّار ، ولذا نرى في القرآن في مقام تشويق موسى عليهالسلام بالذهاب إلى فرعون ، والأمر بموعظته قوله تعالى : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى)(١).
وأمّا الوجه الثالث فلأنّه يكفي في عدم لغويّة وجوب الإنذار كونه مفيدا للعلم في بعض الأحيان ، فيختصّ وجوب العمل بقول المنذر بما إذا أفاد العلم.
وأمّا الأمر الثاني فقد ذكر لإثبات إطلاق وجوب التحذّر أمران :
الأوّل : ما أفاده المحقّق النائيني قدسسره (٢) من أنّ المراد من الجمع في قوله تعالى :
__________________
(١) طه : ٤٤.
(٢) فوائد الاصول ٣ : ١٨٦ ـ ١٨٧.