والظاهر من الآية المباركة كونها واردة لبيان وظيفة جميع المسلمين المكلّفين ، وأنّه يجب على طائفة منهم التفقّه والإنذار وعلى غيرهم الحذر والقبول ، فكما أنّ إطلاقها يقتضي وجوب الإنذار ولو مع عدم حصول العلم للمنذر ـ بالفتح ـ بمطابقة كلام المنذر ـ بالكسر ـ للواقع ، كذلك يقتضي وجوب الحذر أيضا في هذا الفرض.
وفيه : سلّمنا أنّ الأصل في كلّ كلام أن يكون في مقام البيان ، بمعنى عدم كونه في مقام الإهمال والإجمال ، ولكنّه بمعنى كونه في مقام البيان من جميع الجهات والأبعاد ليس قابلا للالتزام ، ومعلوم أنّ الآية الشريفة تكون في مقام إيجاب نفر الطائفة لا إيجاب التحذّر ، بل الدقّة تقتضي أنّها تكون في مقام نفي النفر العمومي من المؤمنين وبعث طائفة منهم إلى النفر ، فلا دلالة لها على وجوب الحذر فضلا عن وجوبه بنحو مطلق.
ولا يخفى أنّ في باب حجّية الخبر كان المثبتون بصدد إثبات وجوب مطابقة عمل المكلّف على وفق خبر الواحد ، مع أنّ المناسب للإنذار هو التحذّر النفساني كما ذكرناه ، وهذا يؤيّد ما ذكرناه في تفسير الآية من نزولها في مورد النفر إلى الجهاد وإنذار المجاهدين أقوامهم المشركين إذا رجعوا إليهم ليحصل التحذّر النفساني لهم.
والشاهد على عدم دلالة الآية الشريفة على وجوب التحذّر مطلقا : أوّلا : أنّه لا بدّ للمنذر ـ بالفتح ـ من إحراز أنّ الإنذار يكون في محدودة تفقّه المنذر ـ بالكسر ـ لا على ما تقتضيه إرادته النفسانيّة ، ومعناه حصول العلم للمنذر ـ بالفتح ـ مع أنّ ما يوجب المناقشة في مسألة حجّية خبر الواحد هو احتمال كذب الراوي.
وثانيا : أنّ وجوب الحذر عند الإنذار منوط بحصول العلم لاستشهاد