نظير حكم العقل بقبح الظلم وحكم الشرع بحرمته ؛ لأنّ ما حكم به العقل في باب الظلم غير ما حكم به الشرع ، ولا تتحقّق العينيّة بينهما ، فإنّ ما حكم به العقل ـ أي القبح ـ يكون بمنزلة الملاك والعلّة للحكم الشرعي ـ أي الحرمة ـ وأمّا في باب القطع بعد إدراك العقل صحّة الاحتجاج به بإدراك الضروري فلا مجال لحكم الشرع بها.
وذكر صاحب الكفاية قدسسره (١) دليلا آخر لعدم إمكان نفي حجّيّة القطع من الشارع، وهو أنّه مستلزم لاجتماع الضدّين بحسب اعتقاد القاطع في صورة عدم إصابة القطع للواقع ، وبحسب الواقع والاعتقاد في صورة الإصابة.
وهذا مبتن على ما ذكره قدسسره في باب اجتماع الأمر والنهي من تحقّق التضادّ بين الأحكام الخمسة التكليفيّة ، وقد ذكرنا تبعا استاذنا السيّد الاستاذ الإمام قدسسره أنّ دائرة التضادّ محدودة بالامور الواقعيّة التكوينيّة ، مثل : عروض السواد والبياض على جسم واحد في آن واحد ، والأحكام التكليفيّة من الامور الاعتباريّة ، ولذا قلنا في مفاد هيئة «افعل» : إنّه عبارة عن البعث الاعتباري ، وفي مفاد هيئة «لا تفعل» أنّه عبارة عن الزجر الاعتباري في مقابل البعث والزجر التكويني ، وهكذا في سائر الأحكام التكليفيّة ، ولا يتحقّق التضادّ في الامور الاعتباريّة ، والشاهد على ذلك عدم إمكان اجتماع المتضادّين ـ كالسواد والبياض ـ في آن واحد ولو من ناحية اثنين.
وأمّا في باب الأوامر والنواهي فيمكن أن تكون طبيعة واحدة بالنسبة إلى مكلّف حراما وبالنسبة إلى آخر واجبة ، فكيف يتحقّق التضادّ بين الأحكام؟!
إن قلت : إن لم يتحقّق التضاد بين الأحكام يصحّ للمولى أن يقول لعبده :
__________________
(١) كفاية الاصول ٢ : ٨.