عند الشكّ في التكليف هو البراءة لا الاشتغال.
إن قلت : إنّ الشكّ في الشبهات الموضوعيّة ليس من جهة فقدان النصّ أو إجماله أو تعارض النصّين ، وإنّما الشكّ نشأ من الاشتباه في الامور الخارجيّة ، فليس من قبيل الشكّ في التكليف حتّى تشمله أدلّة البراءة ، بل يكون من قبيل الشكّ في الامتثال ، وهو مجرى قاعدة الاشتغال.
توضيح ذلك : أنّ أدلّة البراءة ـ شرعيّة كانت أو عقليّة ـ لا تجري في الشبهة الموضوعيّة ؛ ضرورة أنّ وظيفة الشارع بما هو شارع ليس إلّا بيان الكبريات والأحكام الكلّية ، وقد بيّنها ووصلت إلى المكلّف حسب الفرض ، وإنّما الشكّ في الصغرى ومقام الامتثال ، ومن الواضح أنّ المرجع في إزالة هذه الشبهة ليس هو الشارع ، وعليه فلا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، بداهة تحقّق البيان بصدور الحكم الكلّي وعلم المكلّف به ، كما لا يجري مثل حديث الرفع ؛ إذ الحديث إنّما يرفع ما يكون وضعه بيد الشارع ، وقد اتّضح أنّ ما يكون وضعه بيده هو جعل الحكم الكلّي وتبليغه لا غير ، فالمتعيّن حينئذ هو الرجوع إلى قاعدة الاشتغال ؛ لأنّ شغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة.
قلت : صحيح أنّ وظيفة الشارع إنّما هو بيان الكبريات لا المصاديق الخارجيّة ، إلّا أنّ العقاب لا يصحّ إلّا مع تماميّة الحجّة على العبد ، ومن الواضح أنّ الحجّة إنّما تتمّ بتمام الصغرى والكبرى عند العبد ؛ إذ الكبرى بما هي لا تنفع شيئا في مورد من الموارد لو لا انضمام الصغرى إليها.
والحاصل : أنّ عدم تماميّة الحجّة قد يكون من جهة عدم تماميّة الكبرى ، وقد يكون من جهة عدم تماميّة الصغرى ، ومع عدم تماميّة الحجّة تجري البراءة لقبح العقاب بلا بيان ، أي بلا حجّة.