تفسير سورة الجاثية ، وهي مكّيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله : (حم) (١) : قد فسّرناه فيما مضى من الحواميم. قال : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) : يعني القرآن (مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (٢).
(إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : أي فيما يرون ممّا خلق الله فيهما (لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٣).
(وَفِي خَلْقِكُمْ) : أي في بدء خلقكم من تراب يوم خلق آدم ، ثمّ من نطفة ، أي : نسل آدم ، ثمّ من علقة ، ثمّ من مضغة ، وفي الأسماع والأبصار وما لا يحصى من خلق الله في الإنسان (وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ) : أي وما يخلق من دابّة (١) من صغير وكبير في البرّ والبحر (آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٤) : أي يؤمنون.
قال : (وَاخْتِلافِ) : أي وفي اختلاف (اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ) : [يعني المطر ، فيه أرزاق الخلق] (٢) (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) : أي بعد إذ كانت يابسة ليس فيها نبات (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) : في الرحمة والعذاب (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٥) : وهم المؤمنون.
قال الله عزوجل : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) (٦) : أي يصدّقون. أي : ليس بعد ذلك إلّا الباطل. كقوله : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) [يونس : ٣٣].
__________________
(١) كذا في ق : «أي : وما يخلق من دابّة». وكنت ظننت أنّ في كلمة «خلق» التي جاءت في تفسير الآية ٢٩ من سورة الشورى من هذا الجزء تصحيفا وقلت : إنّ صوابها : «فرّق» اعتمادا على بعض التفاسير. ثمّ تتبّعت أغلب المواضع التي وردت فيها كلمة (بثّ) في آي القرآن فوجدت أنّ المؤلّف يفسّرها بقوله : «خلق». والحقّ أنّ لفظ خلق لا يؤدّي معنى (بثّ) إلّا تجوّزا ، وأصحّ منه تأويلا وأحسن تفسيرا وأدقّ لفظا كلمة : «فرّق» ، فمعنى بثّ : نشر وفرّق مع إكثار ، واقرأ قوله تعالى (وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ ، إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) [الشورى : ٢٩] يتّضح لك ذلك. فإنّ الجمع يكون أنسب لما هو مفرّق ومنشور منه لما هو مخلوق ، وإن كان الكلّ مخلوقا لله. تأمّل هذا تجده صوابا إن شاء الله.
(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٢١.