تفسير سورة التحريم ، وهي مدنيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١). كان النبيّ عليهالسلام حرّم أمّ إبراهيم على نفسه ، وأسرّ ذلك إلى حفصة دون أزواجه ، وذلك أنّ حفصة زارت أباها فرجعت ، فوجدت رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع مارية ، أمّ إبراهيم ، في البيت. فلمّا خرجت مارية دخلت حفصة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت له : أما إنّي (١) قد رأيت من معك في البيت. فقال : والله لأرضينّك ، هي عليّ حرام ، فلا تخبري بذلك أحدا. وقال بعضهم : لا تخبري عائشة. فانطلقت حفصة إلى عائشة فأخبرتها. وقد كانتا تظاهران ـ أي : تعاونان ـ على نساء النبيّ عليهالسلام ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢).
قال تعالى : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) : أي كفّارة أيمانكم. وهو قوله في سورة المائدة : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) [المائدة : ٨٩]. قال تعالى : (وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ) : أي بخلقه (الْحَكِيمُ) (٢) في أمره.
فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالكفّارة ، فكفّر عن يمينه.
ذكروا عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس أنّه قال في الرجل يحرّم عليه امرأته قال : عليه كفّارة يمين ، وقال : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب : ٢١] (٣).
__________________
(١) في ق وع : «أما أنا» ، وأثبتّ ما جاء في ز ، ورقة ٣٦٥ ، فهو أبلغ.
(٢) هذا سبب من أسباب نزول الآية. وهنالك سبب آخر ذكره المفسّرون ورجال الحديث في كتبهم ، وهو أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم شرب عسلا عند زينب بنت جحش ، فتواطأت عائشة وبعض أزواج النبيّ عليهالسلام على أن يقلن له عليهالسلام : أكلت مغافير ... إلى آخر القصّة ، انظر مثلا : صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، سورة التحريم. وانظر صحيح مسلم كتاب الطلاق ، باب وجوب الكفّارة على من حرّم امرأته ولم ينو الطلاق (رقم ١٤٧٤) وانظر الواحدي ، أسباب النزول ، ص ٤٦٦ ـ ٤٦٨.
(٣) انظر صحيح مسلم ، كتاب الطلاق ، نفس الباب (رقم ١٤٧٣).