تفسير سورة الدخان ، وهي مكّيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله : (حم) (١) : قد فسّرنا ذلك فيما مضى من الحواميم. قوله عزوجل : (وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) (٢) : قسم ، أقسم بالقرآن المبين.
[(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ)] : ذكر الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال : نزل القرآن إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ، ثمّ جعل بعد ذلك ينزل نجوما : ثلاث آيات ، وأربع آيات وخمس آيات وأقلّ من ذلك وأكثر. ثمّ تلا هذه الآية : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) (٧٥) [الواقعة : ٧٥].
ذكروا عن الأعمش قال : نزل به جبريل ليلة القدر جملة واحدة في سماء الدنيا ، فوضعه في البيت المعمور ، ثمّ جعل ينزل بعد ذلك الأوّل فالأوّل.
قوله : (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (٣) : أي منذرين العباد من النار.
(فِيها) : يعني ليلة القدر (يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (٤) : أي : يفصل كلّ أمر حكيم ، أي : محكم.
قال بعضهم : يدبّر فيها أمر السنة إلى السنة ، ثمّ يدفع إلى الحفظة فيعملون عليها. وفيها يدبّر الله ما يدبّر ، وينزل من الوحي ما ينزل ممّا يريد من الأمور في سمائه وأرضه وخلقه تلك السنة ، من الحياة والموت ، وما ينزل من المطر ، وما يقبض ويبسط ، وما يحدث في خلقه تلك السنة ، فينزله في ليلة القدر إلى بعض سمائه ، ثمّ ينزله في الليالي والأيّام على ما قدّر حتّى يحول الحول من تلك السنة من قابل ليلة القدر (١). وذلك إلى اليوم على هذه الصفة إلّا الوحي فإنّه قد انقطع بموت النبيّ عليهالسلام.
__________________
(١) جاءت العبارة مضطربة في ق وع ، ولعلّ صوابها : «إلى قابل ليلة القدر». وفي ز ، ورقة ٣١٨ جاءت العبارة مختصرة واضحة هكذا : «قال الحسن : ما يريد الله أن ينزل من الوحي وينفذ من الأمور في سمائه وأرضه وخلقه تلك السنة ينزله في ليلة القدر إلى سمائه ، ثمّ ينزله في الأيّام والليالي على قدر حتّى يحول الحول من تلك الليلة».