تفسير سورة الفيل ، وهي مكّيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) (١) : [أي ألم تخبر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل] (١). قال الحسن : هذا خبر أخبر الله به النبيّ عليهالسلام ، وذلك أنّ العرب ، أهل الحرم ، هدموا كنيسة للحبشة ، وهم نصارى. فقال أبرهة بن الصباح (٢) : لنهدمنّ كعبة العرب كما هدموا بيتنا.
وكان أبرهة بن الصباح من أهل اليمن ملكته الحبشة عليهم ، فبعث بالفيل وجنوده ، فجاء ، حتّى إذا انتهى إلى الحرم ألقى بجرانه فسقط. فوجّهوه نحو منازلهم فذهب يسعى. قالوا : فإذا وجّهوه إلى الحرم ألقى بجرانه ولم يتحرّك ، وإذا وجّه إلى منازلهم ذهب يسعى. قال بعضهم : إنّ أبا يكسوم الحبشيّ سار بالفيل إلى البيت ليهدمه ، وذلك العام الذي ولد فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قال تعالى : (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ) : أي الذي كادوا به لك (فِي تَضْلِيلٍ) (٢) : أي ضلالا (٣). قال تعالى : (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) (٣) : والأبابيل : الزمر ، زمرة بعد زمرة ، في تفسير سعيد بن جبير. وتفسير الحسن : الأبابيل : الكثيرة.
وذكر بعضهم أنّه أخرج الله عليهم طيرا من البحر سودا ، طوال الأعناق ، لها خراطيم ، يحمل كلّ طائر منها ثلاثة أحجار كهيئة الحمص (٤) ، مكتوب فيها اسم صاحبها الذي يموت بها. ولم تر تلك الطير قبل ذلك ولا ترى بعد ذلك.
قال تعالى : (تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) (٤) : وهي بالفارسيّة ؛ أوّلها حجر وآخرها طين. وقال في سورة الذاريات : (حِجارَةً مِنْ طِينٍ) (٣٣) [الذاريات : ٣٣]. كان مع الطير منها ثلاثة أحجار ، حجران في رجليه وحجر في فيه. وكان إذا وقع الحجر منها على الرجل سقط
__________________
(١) زيادة من ز ورقة ٣٩٨.
(٢) انظر نسبه في جمهرة أنساب العرب ، لابن حزم ، ص ٤٣٥.
(٣) كذا في ق وع : «ضلالا» ، وفي ز : «في ذهاب».
(٤) في ق وع بياض قدر كلمة ، أثبتّ فيه كلمة : «الحمص» كما وردت في بعض التفسير. وفي بعضها : أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة».