تفسير سورة الحاقّة ، وهي مكّيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله : (الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) (٣) : أي إنّك لم تكن تدري ما الحاقّة حتّى أعلمتكها (١). والحاقّة اسم من أسماء القيامة ، أحقّت لأقوام الجنّة وأحقّت لأقوام النار. قال بعضهم : كلّ شيء في القرآن : (وَما أَدْراكَ) فقد أدراه ، أي : أعلمه إيّاه ، وكلّ شيء (وما يدريك) فهو لم يعلمه إيّاه بعد.
قوله عزوجل : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) (٤) : أي كذّبوا بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، في تفسير الحسن. وتفسير الكلبيّ : القارعة اسم من أسماء جهنّم.
(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) (٥) : قال الحسن : أي : بطغيانهم ، كقوله : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) (١١) [الشمس : ١١] أي : بشركها. وقال الكلبيّ : الطاغية الصاعقة التي أهلكوا بها. وتفسير مجاهد : (بِالطَّاغِيَةِ) أي : بالذنوب.
قوله : (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ) : أي باردة شديدة البرد (عاتِيَةٍ) (٦) : أي عتت على خزّانها بأمر ربّها ، كانت تخرج من قبل بقدر ، فعتت يومئذ على خزّانها ، مثل قوله : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) (١١) [الحاقّة : ١١] أي : طغى الماء على خزّانه ، إنّه كان يخرج بقدر فطغى يومئذ على خزّانه. وقال الحسن : العاتية : الشديدة ، وضمّ أصابعه وشدّها ، وضمّ أصابعه وشدّها. قال : وكذلك أيضا. وقال مجاهد : عاتية : شديدة. والريح التي أهلك بها عادا هي الدّبور.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدّبور (٢).
قال : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) : أي : تباعا ليس بينها تفتير. وكان ذلك من يوم الأربعاء إلى الأربعاء [والليالي سبع : من ليلة الخميس إلى ليلة الأربعاء] (٣).
__________________
(١) في ق وع : «حتّى علّمناك» ، وأثبتّ ما جاء في ز : «أعلمتكها» ، فهو أدقّ تعبيرا.
(٢) انظر الإشارة إليه فيما سلف ، ج ٣ ، تفسير الآية ٩ من سورة الأحزاب.
(٣) زيادة من ز ، ورقة ٣٧٠. وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ١٨٠ : «و (الحسوم) : التباع إذا تتابع الشيء فلم ينقطع أوّله عن آخره ، قيل فيه : حسوم ...».