تفسير سورة المنافقون (١) ، وهي مدنيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : قوله عزوجل : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (١) : وذلك أنّ نفرا من المنافقين قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا رسول الله ، إذا لقينا المشركين شهدنا عندهم إنّك لرسول الله ، فقال الله عزوجل : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ) أي : نشهد عند المشركين إذا لقيناهم (إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ) فيما قالوا لك (لَكاذِبُونَ) [أي : إنّما يقولونه بأفواههم وقلوبهم ليست على الإيمان] (٢).
قوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) : وذلك أنّهم حلفوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ليصدّقهم ، فقال تعالى : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ) أي : حلفهم الذي يحلفون به جنّة ، أي اجتنوا بها ، أي : استتروا [حتّى لا يقتلوا ولا تسبى ذراريهم](فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) : أي عن الإسلام ، أي يصدّون الناس عنه قال : (إِنَّهُمْ ساءَ) : أي بئس (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢).
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا) : أي أقرّوا وصدّقوا (ثُمَّ كَفَرُوا) : أي خالفوا وضيّعوا (فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) : أي فختم على قلوبهم ، أي : بنفاقهم (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) (٣).
قال تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) : يعني في المنظر والهيئة (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) : أي من قولهم بما أقرّوا به وادّعوه (٣) (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) : أي : إنّما هم أجساد ليست لهم نية ولا حسبة في الخير (٤). ثمّ وصف جبنهم وجزعهم فقال : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) حذرا من القتال ، وجبنا عنه ، ليست لهم نية في الجهاد.
ثمّ انقطع الكلام ، ثمّ قال : (هُمُ الْعَدُوُّ) الأدنى إليك (٥) (فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ) أي
__________________
(١) في ق وع : «سورة إذا جاءك المنافقون» ، وفي ز : «تفسير سورة المنافقين». وأثبتّ ما جاء في مصحف ورش.
(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٦٣.
(٣) كذا في ق وع ، وفي ز : «من قولهم لما أعطوا من الإيمان في الظاهر».
(٤) كذا في ق وع ، وفي ز : «ليست لهم قلوب آمنوا بها».
(٥) كذا في ق وع ، وفي ز : «هم العدوّ فيما اسرّوا».