تفسير سورة الفتح ، وهي مدنيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (١) : قال بعضهم : هو فتح مكّة. وقال الكلبيّ : هو فتح يوم الحديبيّة (١). ظهر فيه نبيّ الله على المشركين بعد حبس الهدي أن يبلغ محلّه ، وظهر عليهم المسلمون حتّى دخلوا دورهم وسأل المشركون الصلح. وتفسير هذا الظهور بعد هذا الموضع. وتفسير مجاهد : أنّه نحره بالحديبيّة وحلقه رأسه.
ذكروا عن أنس بن مالك أنّ هذه الآية (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (٢) : نزلت على النبيّ عليهالسلام مرجعه من الحديبيّة ، وأصحابه مخالطو الحزن والكابة ، قد حيل بينهم وبين مناسكهم ، ونحروا الهدي بالحديبيّة ، فقال : لقد نزلت عليّ آية لهي أحبّ إليّ من الدنيا جميعا (٢). فتلاها عليهم رسول الله فقال رجل من القوم : هنيئا مريئا لك يا رسول الله ، لقد بيّن الله لنا ما يفعل بك ، فماذا يفعل بنا. فأنزل الله (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ..). إلى آخر الآية.
قال الله تعالى : (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) (٣) : أي يذلّ بك أعداءك.
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) : أي الطمأنينة والوقار ، في تفسير الحسن. وقال مجاهد : السكينة من أمر الله كهيئة الريح.
قال تعالى : (فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) : أي يقينا مع يقينهم ، يعني تصديقا مع تصديقهم ، أي : يصدّقون بكلّ ما نزل من القرآن. (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : ينتقم لبعضهم من بعض (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (٤).
__________________
(١) وحديث البراء بن عازب في صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبيّة يؤيّده ؛ «قال : تعدّون أنتم الفتح فتح مكّة ، وقد كان فتح مكّة فتحا ، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبيّة ...» وانظر الجمع بين هذه الأقوال في فتح الباري ، ج ٧ ص ٤٤١ ـ ٤٤٢. وسمّيت الحديبيّة كذلك باسم بئر بها ، وهي على مرحلة من مكّة وعلى تسع مراحل من المدينة ، انظر : ياقوت معجم البلدان ، ج ٢ ص ٢٢٩.
(٢) انظر ما سلف قريبا في هذا الجزء ، تفسير الآية ٩ من سورة الأحقاف ، وانظر الواحدي ، أسباب النزول ، ص ٤٠٣ ـ ٤٠٥.