تفسير سورة (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) ، وهي مكّيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) (١) : أي انشقّت ، وذلك يوم القيامة بعد النفخة الأخيرة. (وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ) (٢) : أي تساقطت وهو قوله : (انْكَدَرَتْ) (٢) [التكوير : ٢] (وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) (٣) : أي : فجّر ملحها في عذبها ، وعذبها في ملحها (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) (٤) : أي أخرج ما فيها من الأموات.
قال : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) (٥) : أي ما قدّمت من عمل ، خيرا كان أو شرّا ، وما أخّرت أي : من سنّة حسنة فعمل بها بعده فله مثل أجر من عمل بها ، ولا ينقص من أجورهم شيئا ، أو سنّة سيّئة فعمل بها بعده فعليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيئا.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) (٦) : ذكروا أنّ عمر بن الخطّاب قرأ هذه الآية : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) فقال غرّه حمقه وجهله (١).
قال : (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ) : أي سوّى خلقك باللحم والشعر (فَعَدَلَكَ) (٧) : يعني اعتدال الخلق ؛ فهذا مقرأ من قرأها بالتخفيف (فَعَدَلَكَ) ومن قرأها بالتثقيل (فَعَدَلَكَ) قال : جعل عينيك سواء. ورجليك سواء ، ويديك سواء ، وجنبيك سواء (٢). ثمّ قال : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) (٨) : أي خلق الله كلّ إنسان في صورته ، لا ترى اثنين على صورة واحدة ؛ فجعله إن شاء طويلا ، وإن شاء قصيرا ، وإن شاء جعله ذكرا ، وإن شاء جعله أنثى. وقال مجاهد : إن شاء جعله حسنا ، وإن شاء جعله قبيحا.
ذكروا عن الضحّاك بن مزاحم قال : يشبه الرجل وليس بينه قرابة إلّا من قبل الأب
__________________
(١) في ق وع : «أحمقت ، وجهلت» ، وأثبتّ ما جاء في ز ورقة ٣٨٧ ، فهو أفصح ، وفي الدرّ المنثور : «غرّه والله جهله» ، وفي الكشّاف : «غرّه حمقه وجهله».
(٢) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن ، ص ٥١٨ : (فَعَدَلَكَ) بالتخفيف ، أراد : صرفك إلى ما شاء من الصور في الحسن والقبح». وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٢٤٤ : «ومن قرأ : (فَعَدَلَكَ) مشدّدة ، فإنّه أراد ـ والله أعلم ـ : جعلك معتدلا معدّل الخلق ، وهو أعجب الوجهين إليّ وأجودهما في العربيّة ...».