تفسير سورة المدّثّر ، وهي مكّيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (١) : أي : المتدثّر بثيابه ، يعني النبيّ عليهالسلام. (قُمْ فَأَنْذِرْ) (٢) : أي من النار.
ذكروا عن جابر بن عبد الله قال : هذه أوّل سورة نزلت على النبيّ عليهالسلام. قال [يحيى] (١) : والعامّة على أنّ أوّل ما نزل من القرآن : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ).
قال : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٤) : قال بعضهم : لا يلبسها على معصيته. وقد يقال للرجل الصالح : إنّه لطاهر الثياب. وتفسير الحسن : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) أي : من الغدر.
قال تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (٥) : والرجز : الأوثان ، أي : لا تعبدها.
قال تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (٦). ذكروا عن الضحّاك بن مزاحم أنّه قال في قوله تعالى : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) [الروم : ٣٩] قال : تلك الهديّة تهديها ليهدى لك خير منها ، ليس لك فيها أجر ، وليس عليك فيها وزر ، نهى عنها النبيّ عليهالسلام فقال : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ). قال بعضهم : وهي في مصحف أبيّ بن كعب : (ولا تمنن أن تستكثر) وذلك تفسيرها على قراءة من قرأها بالرفع (٢). ذكروا عن الحسن أنّه كان يقرأها بالجزم : (ولا تمنن تستكثر) موقوفة (٣). وقال : هي مقدّمة ومؤخّرة. يقول : لا تستكثر عملك فتمنّ علينا.
__________________
(١) زيادة لا بدّ منها للإيضاح ، وهي موجودة في ز ، وهو المؤلّف : يحيى بن سلّام.
(٢) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٢٧٥ : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) رفع ، يقول : لا تمنن مستكثرا ، صفة ، ليس له هاهنا نهي». وقال الفرّاء في تفسير الآية : «يقول : لا تعط في الدنيا شيئا لتصيب أكثر منه ، وهي في قراءة عبد الله : (ولا تمنن أن تستكثر) فهذا شاهد على الرفع في (تَسْتَكْثِرُ) ولو جزمه جازم على هذا المعنى كان صوابا. والرفع وجه القراءة والعمل». وانظر في تفسير القرطبيّ ، ج ١٩ ص ٦٧ ـ ٦٩ ، أحد عشر تأويلا لهذه الآية لخّص معانيها القرطبيّ واستنبط ما فيها من فقه.
(٣) انظر تعليل ذلك عند ابن جنّي ، المحتسب ، ج ٢ ص ٣٣٧.