تفسير سورة (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ) ، وهي مكّيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (١) : أي : صلّ لربّك الأعلى (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (٣) : أي قدّره في خلقه نطفة ، ثمّ علقة ، ثمّ مضغة ، ثمّ عظما ، ثمّ لحما ، ثمّ شعرا ، ثمّ نفخ فيه الروح. قال (فَهَدى) أي فبيّن له سبيل الهدى وسبيل الضلالة في تفسير الحسن.
وبعضهم يقول (قَدَّرَ فَهَدى) أي : علّم الذكر كيف يأتي الأنثى.
(وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) (٤) : أي الكلأ (فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) (٥) : وفيها تقديم ؛ أي جعله أحوى غثاء. والغثاء : المهشّم اليابس ، كقوله تعالى : (فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ) [الكهف : ٤٥] أي صار هشيما بعد أن كان أخضر.
والأحوى عند الحسن : الأسود من شدّة الخضرة.
قوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلَّا ما شاءَ اللهُ) : وذلك أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان إذا نزل عليه القرآن يجعل يقرأه ويذيب فيه نفسه مخافة أن ينساه. وهو قوله عزوجل : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (١٧) [القيامة : ١٦ ـ ١٧] أي : نحن نحفظه عليك. وقوله في هذه الآية : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (١) هو كقوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) [البقرة : ١٠٦] أي : ينسيها الله نبيّه عليهالسلام.
قال تعالى : (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ) : أي العلانية (وَما يَخْفى) (٧) : أي السرّ. قال تعالى : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) (٨) أي : لعمل الجنّة. (فَذَكِّرْ) : أي بالقرآن (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) (٩) أي إنّما ينتفع بالتذكرة من يقبلها.
__________________
(١) قال الفرّاء في المعاني ج ٣ ص ٢٥٦ : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) لم يشأ أن ينسى شيئا ، وهو كقوله : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) [هود : ١٠٧] ولا يشاء. وأنت قائل في الكلام : لأعطينّك كل ما سألت إلّا ما شئت ، وإلّا أن أشاء أن أمنعك ، والنية ألّا تمنعه. وعلى هذا مجاري الأيمان يستثنى فيها ، ونية الحالف التمام».