تفسير سورة (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (١) ، وهي مكّيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله عزوجل : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (١) : تفسير الحسن : أي : ذهب ضوءها. (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) (٢) : أي قد رمي بها. كقوله : (وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ) (٢) [الانفطار : ٢].
(وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ) (٣) : أي ذهبت ، تصير في حالات. أما أوّل ما تحول عن منزلة الحجارة فتكون كثيبا ، وتكون كالعهن المنفوش ، وتكون هباء منبثّا ، وتكون سرابا. قال تعالى : (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً) (٢٠) [النبأ : ٢٠]. مثل هذا السراب تراه وليس بشيء ، فسوّيت بالأرض. وقال في آية أخرى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) (١٠٥) أي : من أصولها (فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً) (١٠٦) أي مستوية (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) (١٠٧) [طه : ١٠٥ ـ ١٠٧] أي انخفاضا ولا ارتفاعا.
قال تعالى : (وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) (٤) : وهي النوق عطّلها أهلها فلم تحلب ولم تصرّ وشغل عنها أهلها (١).
قال : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) (٥) : أي جمعت لحشر يوم القيامة ، فهي أوّل من يدعى للحساب ، فيقتصّ لبعضها من بعض ، حتّى يقتصّ للجمّاء من القرناء ، ثمّ يقال لها : كوني ترابا. فعند ذلك (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) (٤٠) [النبأ : ٤٠] (٢). ذكروا عن الحسن قال : مرّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم على بعير معقول أوّل النهار ، ثمّ مرّ عليه آخر النهار وهو كما هو ، فقال : أين صاحب هذا البعير ، ليعدّ له خصومة (٣).
__________________
(١) كذا في ق وع ، وفي ز : «قلم تحلب من الشغل بأنفسهم».
(٢) وهنالك معنى آخر روي عن أبيّ بن كعب واختاره الشيخ الطاهر بن عاشور ، وأفصح عنه بأبلغ بيان وأحسن تعليل ، وهو يجعل من هذا الحشر جمع الوحوش «في مكان من الأرض عند اقتراب فناء العالم» ... و «ليس هذا الحشر الذي يحشر الناس به للحساب ، بل هذا حشر في الدنيا ، وهو المناسب لما عدّ معه من الأشراط». انظر : ابن عاشور ، التحرير والتنوير ، ج ٣٠ ص ١٤٣.
(٣) لم أعثر على هذا الحديث فيما لديّ من المصادر. فهل هو ممّا انفرد بروايته ابن سلّام.