تفسير سورة الصفّ (١) ، وهي مدنيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ) : أي في نقمته (الْحَكِيمُ) (١) في أمره.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) (٢) : قال الحسن : يعني المنافقين.
يقول : يا أيّها الذين أقرّوا بألسنتهم ، نسبهم إلى الإيمان الذي أقرّوا به وادّعوه ، وكانوا يقولون : نجاهد مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإذا جاء الجهاد تخلّفوا عنه وقعدوا. فقال الله : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) (٣).
ثمّ وصف المؤمنين فقال : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) : أي يفعلون ما يقولون ويتمّون على ما يدّعون ، وأنتم أيّها المنافقون لا تفعلون ما تقولون وتقولون ما لا تفعلون. وهو كقوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) أي : حيث رأوا الأحكام جرت لهم وعليهم. قال الله : (قُلْ) يا محمّد (لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) [الحجرات : ١٤] أي : أقررنا. أي : فأنتم مقرّون غير مؤمنين ، لأنّ الإيمان والإسلام لا يكونان إلّا لمن استكمل فرائض الله وأوفى بها ولم ينقصها (٢).
وقال مجاهد : إنّها نزلت في نفر من الأنصار ، منهم عبد الله بن رواحة الأنصاريّ. قالوا : لو نعلم أيّ الأعمال أحبّ إلى الله لعملنا بها حتّى نموت ، فأنزل الله فيهم هذه الآية. وقال ابن رواحة : لا أبرح جيشا في سبيل الله حتّى أموت فقتل في سبيل الله.
قوله عزوجل : (كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) (٤) : ذكر ثبوتهم في صفّهم كأنّه بنيان قد رصّ بعضه إلى بعض. ذكروا عن الأعمش عن أبي صالح عن كعب قال : في التوراة مكتوب : محمّد المختار ، لا فظّ ولا غليظ ولا صخّاب في الأسواق ولا يجزي بالسيّئة السيّئة ، ولكن يغفر ويعفو.
__________________
(١) وتسمّى في بعض المصاحف القديمة سورة الحواريّين ، وبهذا جاءت في مخطوطة ابن سلّام ، والأولى تسميتها بسورة الصفّ ؛ لأنّها كانت معروفة بهذا الاسم في عصر الصحابة.
(٢) هذه الجمل الأخيرة من كلام الشيخ هود الهوّاريّ ، وهي غير موجودة في ز ولا في مخطوطة ابن سلّام.