تفسير سورة عبس ، وهي مكّيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله عزوجل : (عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) (٢) : أي : لأن جاءه الأعمى.
ذكروا أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان مع رجل من المشركين من وجوههم وأشرافهم ، وهو يدعوه إلى الإسلام ، والناس تبع لوجوههم وأشرافهم. فرجا النبيّ عليهالسلام أن يؤمن فيتّبعه ناس من قومه. فهو يكلّمه ، وقد طمع في ذلك منه ، إذ جاء ابن أمّ مكتوم ، وكان أعمى ، فأعرض عنه النبيّ عليهالسلام وأقبل على الرجل. وبلغنا أنّ الرجل أميّة بن خلف (١). وتفسير مجاهد أنّه عتبة بن ربيعة أو شيبة بن ربيعة. فجعل ابن أمّ مكتوم لا يتقارّ لمّا أعرض عنه النبيّ مخافة أن يكون حدث فيه شيء ، فأنزل الله تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى).
قال : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) (٣) : أي يؤمن. (أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) (٤).
(أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) (٥) : أي عن الله (فَأَنْتَ لَهُ) بوجهك (تَصَدَّى) (٦) : أي تتعرّض (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) (٧) : أي ألّا يؤمن.
(وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) (٨) : أي يسارع في الخير (وَهُوَ يَخْشى) (٩) : أي يخشى الله ، يعني ابن أمّ مكتوم. (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) (١٠) : أي فأنت عنه تعرض.
قال : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ) (١١) : أي إنّ هذه السورة تذكرة. (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) (١٢) : أي القرآن. وقال في آية أخرى : (وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [المدّثّر : ٥٦]. قال تعالى : (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ) : أي عند الله في السماء (٢) (مُطَهَّرَةٍ) (١٤) : أي من الدنس. (بِأَيْدِي
__________________
(١) كذا في ق : «أميّة بن خلف» ، وفي ع : «أميّة بن أبي الصلت ، خلف (كذا)». وذكر القرطبيّ في تفسيره ، ج ١٩ ص ٢١٢ قولين لقتادة : أميّة بن خلف ، وأبيّ بن خلف. وذهب بعضهم إلى أنّ الرجل هو الوليد بن المغيرة المخزوميّ.
(٢) كذا في ق وع وفي ز ، وجاء في تفسير القرطبيّ ، ج ١٩ ص ٢١٦ : «وقيل : مرفوعة في السماء السابعة». قاله يحيى بن سلّام.