تفسير سورة الرحمن ، وهي مكّيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى : (الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ) (٤) : أي علّمه الكلام (١).
قوله تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) (٥) : قال مجاهد : [يعني بحسبان] (٢) كحسبان الرحى. وفي تفسير الحسن : (بِحُسْبانٍ) : بمجرى. وقال الحسن : هما والنجوم في مثل الطاحونة ، أي في مثل فلكة المغزل دون السماء. ولو كانت ملتزقة بالسماء لم تجر.
وفي تفسير الكلبيّ : (بِحُسْبانٍ) أي بحساب ومنازل معدودة [كلّ يوم منزل] (٣).
ذكروا عن أبي صالح : إنّ السماء خلقت مثل القبّة ، إنّ الشمس والقمر والنجوم ليس شيء منها لازقا بالسماء ، وإنّها تجري في فلك دون السماء. وإنّ أقرب الأرض إلى السماء بيت المقدس باثني عشر ميلا ، وإنّ أبعد الأرض من السماء الأبلّة (٤).
ذكروا عن مجاهد قال : قوله عزوجل : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (٣٣) [الأنبياء : ٣٣] قال : يدورون كما يدور فلك المغزل.
قوله عزوجل : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) (٦) : النجم ما كان من النبات على غير ساق ، والشجر ما كان على ساق. وسجودهما ظلّهما. وقال في آية أخرى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ
__________________
(١) كذا في ق وع وز : «علّمه الكلام» ، وكذلك جاء في تفسير ابن قتيبة. وهذا تأويل غير كاف ، فلفظ البيان أبلغ تعبيرا وأدقّ معنى ، إذ يفيد الإبانة والإفصاح عمّا يختلج في نفس الإنسان ، والقدرة ـ بإذن الله ـ على التعبير عن مقاصده.
(٢) زيادة من تفسير مجاهد ، ص ٦٣٩. وقول مجاهد هذا وقول الحسن تأويل لا يعتدّ به الآن.
(٣) زيادة من ز ، وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٢٤٢ : (بِحُسْبانٍ) جميع حساب مثل : شهبان وشهاب». وقول الأخفش في معاني القرآن ، ج ٢ ، ص ١١٢ : (بِحُسْبانٍ) : حساب ومنازل للشمس والقمر لا يعدوانها». وأقوال الكلبيّ والفرّاء والأخفش هي أولى بالصواب ، وذلك ما أكّده العلم الحديث.
(٤) الأبلّة : مدينة على شاطئ دجلة قرب البصرة ، وهي أقدم عمرانا من البصرة. انظر : ياقوت الحموي ، معجم البلدان ، ج ١ ص ٧٦ ـ ٧٨ ، والبكري ، معجم ما استعجم ، ج ١ ص ٩٨.