تفسير سورة الهمزة (١) ، وهي مكّيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (١) : وهو الذي يطعن على الناس. بلغنا أنّها نزلت في الأخنس بن شريق (٢). وقد نهي عن ذلك المؤمنون.
ذكروا عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنّه ذكر في حديث ليلة أسري به قال : مررت بأقوام تقطع لحومهم بدمائهم ، ويضفزونها ولهم جؤار ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟ فقال : هؤلاء الهمّازون اللمّازون (٣) ؛ ثمّ تلا هذه الآية : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات : ١٢].
قال عزوجل : (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) (٢) : أي وأحصى عدده. وهي تقرأ على وجهين : بالتثقيل والتخفيف. فمن قرأها بالتثقيل فهو يقول : أحصى عدده ، ومن قرأها بالتخفيف فهو يقول : أعدّه.
(يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) (٣) : أي يحسب أنّه يخلد فيه حياته. كقول أحد الرجلين الكافر منهما لصاحبه في سورة الكهف : (ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً) (٣٥) [الكهف : ٣٥] أي : أخلد فيها حتّى الموت. والكافر يقرّ بالموت ويجحد البعث.
قال : (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) (٤) : أي ليرمينّ به في الحطمة ، وهي اسم من أسماء جهنّم ، وجهنّم كلّها حطمة ، تأكل لحومهم وتحطم عظامهم ، تأكلهم وتأكل كلّ شيء منهم إلّا الفؤاد ، فتطبخ الفؤاد ، ثمّ يجدّد خلقهم. ثمّ تأكلهم أيضا ، حتّى تنتهي إلى الفؤاد.
قال : (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) (٧) أي تأكل كلّ شيء منهم حتّى تنتهي إلى الفؤاد فتطبخ الفؤاد.
__________________
(١) كذا في ق وع ، وفي ز : «تفسير سورة (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ).
(٢) هو الأخنس بن شريق الثقفيّ. كان حليفا لبني زهرة ، فخنس بهم ، أي تأخّر وانقبض يوم بدر ، فلم يشهد بدرا من بني زهرة أحد ، ولم يثبت للأخنس هذا إسلام. انظر : ابن دريد ، الاشتقاق ، ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥.
(٣) انظر ما سلف ج ٢ ، تفسير الآية الأولى من سورة الإسراء.