تفسير سورة المزّمّل ، وهي مكّيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (١) : وهو المتزمّل بثيابه ، يعني النبيّ عليهالسلام (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ). ذكروا عن الحسن أنّ رجلا خرج ليلة يريد المسجد ، فسمع قراءة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فدنا من الباب. فسمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم حسحسة ، فقال : من هذا؟ فقال : أنا فلان بن فلان ، سمعت قراءة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأحببت أن أصلّي بصلاته. فقال له : ادخل. فصلّى بصلاته معه. فلمّا أصبح ذكر ذلك لخاصّة من أصحابه. فترصّدوا تلك الساعة ، فدنوا من باب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسمع حسيستهم فقال : من هذا؟ فقالوا : فلان بن فلان وفلان بن فلان ، أحببنا أن نصلّي بصلاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : ادخلوا. فدخلوا حتّى امتلأت الحجرة. وقفوا (١) رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الصلاة ، فسقط القوم نعاسا. فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ارجعوا إلى حالكم ، فليصلّ الرجل بقدر ما يستطيع ، فإنّكم لا تطيقون ما يطيق رسول الله صلىاللهعليهوسلم. إنّ أعلمكم بأمر الله رسول الله ، وأقواكم في أمر الله رسول الله ، فإنّكم قد تعرّضتم لأمر إن أخذتم به لن تقوموا به (٢).
فأنزل الله عزوجل تصديق نبيّه : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ ، أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) فقام القوم اثني عشر شهرا حتّى انتفخت أقدامهم. ثمّ أنزل الله رخصة : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) [المزّمّل : ٢٠].
قوله عزوجل : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (٤) : أي بيّنه تبيانا. وتفسير مجاهد : ترسّل فيه ترسّلا ، وهو واحد.
__________________
(١) أي : اتّبعوه.
(٢) لم أجد مثل هذا التفصيل لسبب نزول أوائل هذه السورة فيما بين يديّ من كتب التفسير والحديث إلّا عند ابن سلّام. وليت لي تفسير ابن سلّام كاملا حتّى نطّلع على سند الحديث. وقد أوردت المصادر ما روته عائشة وابن عبّاس عن قيام رسول الله صلىاللهعليهوسلم الليل. انظر تفسير الطبريّ ، ج ٢٩ ص ١٢٥ ـ ١٢٦ ، والسيوطي ، الدرّ المنثور ، ج ٦ ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ، والمنذري ، الترغيب والترهيب ، ج ١ ص ٤٢٢ ـ ٤٢٣.