أمّته الحامدون ، يحمدون الله في كلّ منزلة ، ويكبّرونه على كلّ نجد. مناديهم ينادي في جوّ السماء ، ويتوضّأون على أطرافهم ، ويتّزرون على أوسطهم (١) ، لهم بالليل دويّ كدويّ النحل ، صفوفهم في الصلاة والقتال سواء ، مولده بمكّة ، وهجرته بطيبة ، وملكه بالشام.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : رصّوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق ، فو الذي نفسي بيده إنّي لأرى الشيطان يتخلّل بينكم كأنّه الحذف (٢).
وتفسير الكلبيّ في قوله : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) قال : بلغنا أنّ المؤمنين قالوا قبل أن يؤمروا بالقتال : والله لو نعلم أحبّ الأعمال إلى الله وأرضاها عنده لعملنا بها. فدلّهم الله إلى أحبّ الأعمال إليه فقال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) فكره ذلك من كرهه. فأنزل الله هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ).
قوله عزوجل : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) : يعني الخاصّة الذين يعلمون أنّه رسول الله ، الذين كذّبوه وآذوه ، فكان ممّا آذوه به أن زعموا أنّه آدر. وقد فسّرنا ذلك في سورة الأحزاب (٣).
قوله عزوجل : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) : والزيغ الشرك ، أي : فلمّا ضلّوا أضلّهم الله بضلالتهم. (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٥) : أي المشركين ، يعني الذين يلقون الله بشركهم.
قوله عزوجل : (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ). ذكروا
__________________
(١) كذا في ق وع ، وفي مخطوطة ابن سلّام رقم ١٨٠ : «من أوساطهم».
(٢) حديث صحيح ، أخرجه أحمد في مسنده ، وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، في تفريع أبواب الصفوف باب تسوية الصفوف ، عن أنس بن مالك (رقم ٦٦٧) ، وأخرجه النسائيّ وابن حبّان. والحذف : ضأن سود جرد صغار تكون باليمن. انظر الزمخشري ، الفائق ، واللسان : (حذف).
(٣) انظر ما مضى ج ٣ في تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) ،) الآية : ٦٩.