قال تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (٦) : أي فاضت ، فتصير أعماق البحار ورءوس الجبال سواء. وقال بعضهم : تسجر كما يسجر التنّور. وتفسير مجاهد : أوقدت ، وهو واحد (١).
قال : (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) (٧) : قال الحسن : يلحق كلّ شيعة بشيعتها : اليهود باليهود ، والنصارى بالنصارى ، والمجوس بالمجوس ، وكلّ من كان يعبد من دون الله شيئا بعضهم من بعض ، والمنافقون بالمنافقين ، والمؤمنون بالمؤمنين. وتفسير مجاهد : الأمثال من الناس جمع بينهم.
ذكروا عن النعمان بن بشير قال : سألت عمر بن الخطّاب عن قوله : (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) فقال : يزوّج كلّ إنسان نظيره من الجنّة ، ويزوّج كلّ إنسان نظيره من أهل النار ، ثمّ تلا هذه الآية : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) (٢٣) [الصافّات : ٢٢ ـ ٢٣]. قال الكلبيّ : أمّا أهل الجنّة فيزوّجون بخيرات حسان ، وأمّا أهل النار فيقرن كلّ إنسان وشيطانه ، يكونان جميعا في سلسلة واحدة. وبعضهم يقول : (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) أي : ردّت الأرواح إلى الأجساد (٢).
قال تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) (٨) : وهي بنات أهل الجاهليّة كانوا يدفنونهنّ أحياء لخصلتين : أمّا إحداهما فكانوا يقولون : إنّ الملائكة بنات الله ، فألحقوا به البنات ، فهو أحقّ بهنّ ، وأمّا الخصلة الأخرى فمخافة الحاجة. قال في آية أخرى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ)
__________________
(١) وقال ابن أبي زمنين ، كما في مخطوطة ز ، ورقة ٣٨٧ : (سُجِّرَتْ) حقيقته ملئت ، فيفضي بعضها إلى بعض فتصير شيئا واحدا ، وهو معنى قول الحسن». وقد نقل هذه العبارة القرطبيّ في تفسيره ، ج ١٩ ص ٢٣٠ إلّا أنّه قال : «فيفيض بعضها إلى بعض».
(٢) هذا المعنى الأخير لتزويج النفوس هو ما ذهب إليه المحقّقون من العلماء. وهو رأي أستأذنا المرحوم الإمام إبراهيم بيّوض كما حفظته عنه. وقد بدأ به أيضا الشيخ ابن عاشور واختاره مع المعنى الأوّل ، وهو جعل الناس أصنافا ، ونزع بقوله تعالى : (وَكُنْتُمْ ، أَزْواجاً ثَلاثَةً) [الواقعة : ٧] ثمّ قال : «ولعلّ قصد إفادة هذا التركيب لهذين المعنيين هو مقتضى العدول عن ذكر ما زوّجت النفوس به. وأوّل منازل البعث اقتران الأرواح بأجسادها ، ثمّ تقسيم الناس إلى مراتبهم للحشر. كما قال تعالى : (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ). ثمّ قال : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) ثمّ قال : (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ ، إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً) الآية». [الزمر : ٦٨ و ٧١ و ٧٣].