بنصب وعذاب في جسده ؛ وقد فسّرنا قصّته وقصّة امرأته في سورة الأنبياء وكيف ذهب ماله (١).
فأوحى الله إليه أن (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) (٤٢) : (٢) فركض برجله ركضة وهو لا يستطيع القيام ، فإذا عين فاغتسل منها فأذهب الله ظاهر دائه ، ثمّ مشى على رجليه أربعين ذراعا ، ثمّ قيل له : اركض برجلك أيضا ، فركض ركضة أخرى فإذا عين فشرب منها فأذهب الله عنه باطن دائه.
وقال الكلبيّ : وكساه الله ثيابا جديدة حسانا. وجلس على شاطئ نهر ، فجاءت امرأته بطعام قد أصابته ، فنظرت فإذا الغار ليس فيه أحد ؛ فلم تشكّ أنّ السبع قد أكله. فجعلت تستحيي من الرجل وهي ما تعرفه ، فقالت : يا عبد الله ، أرأيت الذي كان في هذا الغار أين هو؟ قال : أنا هو. قالت : يا عبد الله ، لا تسخر منّي ، فقد كان أمره بخير. فقال : أنا صاحبك ، ولم تصدّقه.
فقال : إن لم تصدّقيني فاذهبي إلى بيتك ذلك ، فإنّ الله قد أقامه لك ، وردّ عليك ولدك ، وقد كانوا ثلاثة عشر ، وزاد الله له ثلاثة عشر أخرى ، وأخرج له حيوانه كلّها ، وزاده مثلها معها ، حتّى صار ملك دمشق بعد.
قال الحسن : فردّ الله عليه أهله وولده وأمواله من البقر والغنم والحيوان وكلّ شيء ملكه بعينه ، ثمّ أبقاه الله فيها حتّى وهب له من نسولها أمثالها. وهو قوله : (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) فوفّاهم آجالهم. قال بعضهم : مثل السبعين الذين كانوا مع موسى فقال لهم الله : موتوا ثمّ أحياهم ومثل (الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ) [البقرة : ٢٤٣] فاستوفوا بقيّة آجالهم. وقال الحسن : إنّ الله أحيى أولاد أيّوب بأعيانهم ، وإنّ الله أبقاه فيهم حتّى أعطاه الله من نسولهم. وإنّ إبليس يأتيه يومئذ عيانا ، قال : يا أيّوب ، اذبح لي سخلة من غنمك. قال : لا ، ولا كفّا من تراب.
ذكروا عن أبي عثمان النهديّ قال : سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : لا يبلغ العبد الكفر بالله والإشراك به حتّى يصلّي لغير الله ، أو يدعو غير الله ، أو يذبح لغير الله.
__________________
(١) انظر ما سلف ، ج ٣ ، تفسير الآية ٨٣ من سورة الأنبياء.
(٢) قال أبو عبيدة في المجاز ج ٢ ص ١٨٥ : (هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ) : وضوء غسول ، وهو ما اغتسلت به من الماء (وَشَرابٌ) أي : وتشرب منه. والموضع الذي يغتسل فيه يسمى مغتسلا».