فمكث في ذلك البلاء حتّى عافاه الله ، وأذن له في الدعاء ، وتمّت عليه النعمة من الله والأجر. فأتاه الوحي من الله وهو مطروح تختلف الروح في أضلاعه وجسده. قال الحسن : وكانت امرأته مسلمة قد أحسنت القيام عليه ، وكانت لها عند الله منزلة. فأوحى الله إليه أن يأخذ بيده ضغثا ، مائة من الأسل. والضغث أن يأخذ قبضة ، قال بعضهم : من السنبل ، وكانت مائة سنبلة. وقال بعضهم : من الأسل. [والأسل : السّمّار] (١) ، فيضربها به ضربة واحدة ففعل.
قال الله : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (٤٤) : أي إنّه مسبّح.
قوله : (وَاذْكُرْ عِبادَنا) : يقول للنبيّ عليهالسلام : واذكر عبادنا (إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) (٤٥) : قال بعضهم : (أُولِي الْأَيْدِي) : أولي القوّة في أمر الله ، (وَالْأَبْصارَ) ، أي : في كتاب الله. وقال الحسن : (أُولِي الْأَيْدِي) أي : أولي القوّة في عبادة الله.
قال الله : (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) (٤٦) : أي الدار الآخرة. والذكرى الجنّة. (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) (٤٧) : أي المختارين ؛ اختارهم الله للنبوّة ، وقال الكلبيّ : اصطفاهم بذكر الآخرة واختصّهم بها.
قوله : (وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ) (٤٨). ذكروا عن أبي موسى الأشعريّ أنّه قال : إنّ ذا الكفل لم يكن نبيّا ، ولكنّه كان عبدا صالحا تكفّل بنبيّ عند موته ، كان يصلّي لله مائة صلاة ، فأحسن الله عليه الثناء. وقال مجاهد : إنّ ذا الكفل كان رجلا صالحا ليس بنبيّ ، تكفّل لنبيّ بأن يكفل له أمر قومه فيقيمه له ويقضي بينهم بالعدل.
قوله : (هذا ذِكْرٌ) : يعني القرآن (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) (٤٩) : أي لحسن مرجع. (جَنَّاتِ عَدْنٍ) : وهي ريح الجنّة سببه الخيار إليها (٢). (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) (٥٠) :
__________________
(١) زيادة من ز ، ورقة ٢٩٥. وعرّفه صاحب اللسان بأنّه «نبات له أغصان كثيرة دقاق بلا ورق ... ومنبته الماء الراكد ، ولا يكاد ينبت إلّا في موضع ماء ، أو قريب من ماء ، واحدته : أسلة ... قال أبو حنيفة : الأسل عيدان تنبت طوالا دقاقا مستوية لا ورق لها يصنع منها الحصر». وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٨٥ : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً) وهو ملء الكفّ من الشجر أو الحشيش والشماريخ وما أشبه ذلك».
(٢) كذا وردت هذه الجملة في ع : «وهي ريح الجنّة سببه الخيار إليها» ، وهو تعبير غامض المعنى لم أهتد إلى تصحيح ما به من فساد.