الحنفية وغيرهم في بدء الأذان وعدم قبولهم لما طُرح من قبل الامويّين في هذا الأمر ، مؤكِّدين بأنّ الله سبحانه رفع ذكر الرسول في الصلاة والتشهد والأذان (١) ، فلا حاجة بعد ذلك لمدح المادحين ولا خوف من جحود الضالّين المعاندين .
وممّا يجب التنبيه عليه كذلك هو أنّ قريشاً كانت تقول لمن مات الذكور من أولاده : أبتر ، فلمّا مات أبناء الرسول صلىاللهعليهوآله : ـ القاسم وعبد الله بمكة ، وإبراهيم بالمدينة ـ قالوا : بُتِرَ ، فليس له من يقوم مقامه (٢) .
فنزلت سورة الكوثر ردّاً على من عابه بعدم الأولاد ، فالمعنى أنّه جل شأنه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان .
قال الفخر الرازي : فانظُرْ كم قُتِلَ من أهل البيت ثم العالم ممتلئ منهم ، ولم يبق من بني أُميّة في الدنيا أحد يُعبأ به .
ثم انظُر كم فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر ، والصادق ، والكاظم ، والرضا ، والنفس الزكية وأمثالهم (٣) .
إنّ أُطروحة كون حقيقة الأذان مناميّة وليست سماويّة هي اُطروحة أموية طُرحت بعد صلح الإمام الحسن مع معاوية للاستنقاص من الرسول ومن آله الكرام ، لأنّ أوّل نصّ وصلنا في ذلك هو لسفيان بن الليل ، إذ قال :
__________________
(١) انظر تفسير قوله تعالى : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ، في تفسير الطبري ٣٠ : ٢٣٥ ، والتفسير الكبير ٣٢ : ٦ ، والكشاف ٤ : ٧٧٥ ، وكذلك في مسند الشافعي : ٢٣٣ / كتاب الرسالة إلّا ما كان معاداً ، ومصنّف بن أبي شيبة ٦ : ٣١١ / ح ٣١٦٨٩ ، وسنن البيهقي الكبرى ٣ : ٢٠٩ / باب ما يستدل به على وجوب ذكر النبي / ح ٥٥٦٢ .
(٢) التفسير الكبير ٣٢ : ١٢٤ ، تفسير القرطبي ٢٠ : ٢٢٣ . وانظر طبقات ابن سعد ٣ : ٧ .
(٣) التفسير الكبير ٣٢ : ١١٧ .