قلت : لا تفعل ، أمّا الأربعة فكانوا خلفاء ، ومعاوية كان مَلِكاً ، وقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « الخلافة بعدي إلى ثلاثين ثمّ تكون مُلكاً » فجعل يُشنّع عليَّ ، وأصبح يقول للناس : هذا رجل رافضيّ .
قال المقدسي : فلو لم أهرب وأدركت القافلة لبطشوا بي (١) .
وعليه إنّ القول باختصاص الشيعة بالغلوّ دون الآخرين فيه مجازفة وبهتان وابتعاد عن الحقيقة والواقع .
نعم ، توجد مجموعة مغالية دسّت نفسها بين الشيعة ، واُخرى مالت إلى التفويض ، وعندما أراد الإمام عليّ إحراق الغلاة ، خنقاً بالدخان ، قالوا : هذه من وظائف الرب ، إذ لا يعذب بالنار إلّا ربّ النار (٢) . لكنّ الأئمة كانوا يعارضون تلك الأفكار الفاسدة ويصحّحون لمن التبس الأمر عليهم ، ويَدعونهم إلى الجادة الوسطى .
فعن الإمام الباقر عليهالسلام أنّه قال : إنّ عليّاً لمّا فرغ من قتال أهل البصرة أتاه سبعون رجلاً من الزطّ فسلّموا عليه وكلّموه بلسانهم ، فردّ عليهم بلسانهم ، ثم قال لهم : إنّي لست كما قلتم أنا عبد الله مخلوق ، فأبوا عليه وقالوا له : أنت هو .
فقال لهم : لئن لم تنتهوا وترجعوا عما قلتم فيّ وتتوبوا إلى الله عزّ وجلّ لأقتلنّكم ، فأبوا أن يرجعوا ويتوبوا ، فأمر أن يُحفَرَ لهم آبار ، فحفرت ، ثمّ خرق بعضها إلى
__________________
(١) أحسن التقاسيم : ٣٣٩ ، طبعة القاهرة ١٤١١ هـ ـ ١٩٩١ م ، « مكتبة مدبولي » .
(٢) جاء في رجال الكشي ١ : ٣٢٣ / الرقم ١٧٠ ، عن الإمام الباقر أنه قال : إنّ عبد الله بن سبا كان يدّعي النبوّة ويزعم أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام هو الله ( تعالى عن ذلك ) . فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليهالسلام فدعاه وسأله فأقرّ بذلك ، وقال : نعم أنت هو ، وقد كان اُلقي في روعي أنّك أنت الله وأنّي نبيّ .
فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك اُمّك وتب ، فأبى ، فحبسه واستتابه ثلاثة أيّام فلم يتب ، فأحرقه بالنّار ، وقال : إنّ الشيطان استهواه فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك .