لا تكون المعجزات فعله ، فعلم بهذا أنّ الّذي ظهر منه من المعجزات إنّما كانت فعل القادر الّذي لا يشبه المخلوقين ، لا فعل المحدَث المحتاج المشارك للضعفاء في صفات الضعف . . .
ثمّ قال الرضا عليهالسلام : إنّ هؤلاء الضُّلّال الكفرة ما أُتُوا إلّا من جهلهم بمقادير أنفسهم حتّى اشتدّ إعجابهم بها ، وكثر تعظيمهم لما يكون منها ، فاستبدّوا بآرائهم الفاسدة ، واقتصروا على عقولهم المسلوك بها غير سبيل الواجب ، حتّى استصغروا قدر الله ، واحتقروا أمره ، وتهاونوا بعظيم شأنه ، إذ لم يعلموا أنّه القادر بنفسه ، الغنيّ بذاته الّذي ليست قدرته مستعارة ، ولا غناهُ مستفاداً ، والّذي من شاء أفقره ، ومن شاء أغناه ، ومن شاء أعجزه بعد القدرة وأفقره بعد الغنى .
فنظروا إلى عبد قد اختصّه الله بقدرته ليبيّن بهذا فضله عنده ، وآثره بكرامته ليوجب بها حجّته على خلقه ، وليجعل ما آتاه من ذلك ثوابا على طاعته ، وباعثاً على اتّباع أمره ، ومؤمناً عباده المكلّفين مِنْ غلط مَنْ نصبه عليهم حجّة ولهم قدوة . . . (١)
بلى ، إنّ الكرامات التي ظهرت من الأئمّة هي التي دعت هؤلاء أن يغلوا فيهم ، لأنّهم لم يكونوا أُناساً عاديين ، لأنّ الله قد منحهم وأعطاهم أشياءً لم يعطها لآخرين ، فتصوّروا أنّها من فعلهم على نحو الاستقلال ، في حين أنّ هذه الامور لم تكن من فعلهم على وجه الاستقلال ، بل هي فعل القادر المتعال ، الذي لا يشبه فعله فعل أحد من الناس . فتصوّروا أنّهم آلهة في حين أنّهم ( عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُۥ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (٢) .
وأمّا أهل التفويض فإنّهم لا يذهبون إلى كون النبيّ أو الإمام إلهاً كالغلاة ،
__________________
(١) تفسير العسكري : ٥٢ ـ ٥٨ وعنه في الاحتجاج للطبرسي ٢ : ٢٣٢ ـ ٢٣٤ وعنه في بحار الأنوار ٢٥ : ٢٧٣ / ح ٢٠ .
(٢) الأنبياء : ٢٦ ، ٢٧ .