(وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ) أي : العقل القرآني (مِنْ لَدُنْ) أي : من عين جمع الوحدة في الصفات الأول الذي لا حجاب بينه وبين الحضرة الأحدية بل هو نفسه الحجاب الأقدس المفيض لكل الاستعدادات من العقول الفرقانية على أربابها من الأعيان الثابتة الإنسانية (حَكِيمٍ) ذي حكمة بالغة تامّة وعلم محيط شامل.
اذكر من جملة علوم الحق وحكمه وقت قول موسى القلب (لِأَهْلِهِ) من النفس والحواس الظاهرة والباطنة (امْكُثُوا) واثبتوا ولا تشوّشوا وقتي بالحركات (إِنِّي آنَسْتُ) بعين البصيرة (ناراً) أي : نار وما أعظمها هي نار العقل الفعال (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) أي : علم بالطريقة إلى الله ، وكان حاله أنه ضلّ الطريقة إلى الله برعاية أغنام القوى البهيمية وزوجه النفس الحيوانية (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ) أي : بشعلة نورية تشرق عليكم حين اتصالي بالنار وتنوّري بها (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) عن برد الركون إلى البدن والسكون إليه وهوى لذاته فتشتاقوا بحركة تلك النار إلى جناتي وتسيرون بمحبتي إلى مقام الصدر.
[٨ ـ ١٠] (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨) يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠))
(فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ) أي : كثر خير (مَنْ فِي النَّارِ) أي : هو موسى القلب الواصل إلى النار بتجليّات الصفات الإلهية ووجدان الكمالات الحقيقية ومقام المكالمة عن النبوّة (وَمَنْ حَوْلَها) من القوى الروحانية والملائكة السماوية بأنوار المكاشفة وأسرار العلوم والحكم والتأييدات القدسية والأحوال السريّة والذوقية (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ونزّه ذات الله بتجرّدك عن الصفات النفسانية والغواشي الجسدانية والنقائص والمعائب.
(أَنَا اللهُ) القوي الذي قهر نفسك وكل شيء بالفناء فيه (الْحَكِيمُ) الذي علمك الحكمة وهداك بها إلى مقام المكالمة (وَأَلْقِ) عصا نفسك القدسية المؤتلفة بشعاع القدس ، أي : خلفا عن الضبط بالرياضة وأرسلها ولا تمنعها عن الحركة فإنها تنوّرت (فَلَمَّا رَآها) تضطرب وتتحرّك (كَأَنَّها) حيّة غالبة بالظهور (وَلَّى) إلى جناب الحق (مُدْبِراً) خوف ظهور النفس (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي : لم يرجع وبقي مشتغلا بتدارك البقية (لا تَخَفْ) من استيلاء النفس وظهور الحجاب ، فإن النفس إذا حييت بعد موتها بالإرادة وفنائها بالرياضة إن استقلت بنفسها واستبدت بأمر كانت حجابا وابتلاء ، وإذا تحرّكت بأمري حيّة بنور الروح والمحبة الحقانية لا بهواها لم تكن حجابا (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) الذين أرسلتهم بالبقاء بعد الفناء وأحييت نفوسهم بحياتي.